كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

روي أنه قال: "ليت شعري ما فعل أبواي؟ ! " فنهي عن السؤال عن أحوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله. وقيل: معناه: تعظيم ما وقع فيه الكفار من العذاب، كما تقول: كيف فلان؟ سائلاً عن الواقع في بلية، فيقال لك: لا تسأل عنه. ووجه التعظيم: أن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما هو فيه؛ لفظاعته، فلا تسأله ولا تكلفه ما يضجره. أو أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره؛ لإيحاشه السامع وإضجاره، فلا تسأل. وتعضد القراءة الأولى قراءة عبد الله: (ولن تسأل)، وقراءة أبي: (وما تسأل)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما القراءة بالجزم فالنهي: إما مجرى على ظاهره والمخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، وهو المراد بقوله: "نهي عن أحوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله" أو عبارة عن تعظيم الأمر وتهويله والمخاطب كل من يتأتى منه السؤال، ثم التهويل إما عائد إلى المستخبر بفتح الباء، وهو المراد من قوله: "إن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما هو فيه لفظاعته"، أو إلى المستخبر، بكسر الباء، وإليه الإشارة بقوله: "أو: أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره".
قوله: (ما فعل أبواي؟ ! )، أي: ما فعل بهما، وفي الحديث "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ "، أي: إلى أي شيء انتهى عاقبة أمره، فلو قيل: يا أبا عمير: ما فعلت بالنغير، لم يكن في الاهتمام بذلك.
قوله: (وتعضد القراءة الأولى) أي: (تُسْئَلُ) بضم التاء والرفع لكونهما إخبارين لا إنشاءين، كما أنها إخبار، بخلاف القراءة الثانية لأنها إنشاء، أي: نهي.

الصفحة 67