كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

وهو الهدى كله ليس وراءه هدى، وما تدعون إلى اتباعه ما هو بهدى، إنما هو هوى، ألا ترى إلى قوله: (وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ)؟ أي: أقوالهم التي هي أهواء وبدع (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ) أي: من الدين المعلوم صحته بالبراهين الصحيحة.
[(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ* يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ* وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ) 121 - 123].
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ): هم مؤمنو أهل الكتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتسمية الدين بالهدى لمجيئه جواباً عن قولهم: "ملتنا"، وجعله مصدراً، وتوسيط ضمير الفعل، وتعريف الخبر بلام الجنس، ولهذا أكد كلامه بقوله: "والذي يصح أن يسمى هدى، وهو الهدى كله". هذا في جانب الإثبات، وأما في جانب النفي فقال: "ليس وراءه هدى وما تدعون إلى اتباعه ما هو بهدى، إنما هو هوى".
قوله: (أَهْوَاءَهُمْ) أي: أقوالهم). قال القاضي: الأهواء: الآراء الزائفة، والهوى: رأي يتبع الشهوة.
وقلت: في كلام المصنف إشعار بأن أهواءهم مظهر وضع موضع المضمر من غير لفظه السابق، وذلك أن قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) حكاية حكاها الله تعالى عن قولهم، وأن قولهم هو: لن نتبع ملتك حتى تتبع ملتنا، فيكون الأصل: ولئن اتبعتها، ليرجع الضمير إلى مقالتهم تلك، ثم في الدرجة الثانية: ولئن اتبعت أقوالهم، وإنما جمعها باعتبار القائلين بها، ولما لم يكن هذا القول عن هدى ورشد، بل عن ضلالة وزيغ، وضع موضعه أهواءهم في الدرجة الثالثة.

الصفحة 69