كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ): لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه من نعت رسول الله، (أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ) بكتابهم دون المحرفين (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) من المحرفين (فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) حيث اشتروا الضلالة بالهدى.
[(وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ* وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) 124 - 125].
(ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ): اختبره بأوامر ونواه، واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين: ما يريد الله، وما يشتهيه العبد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه) يريد أن قوله: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) دل على أن الكلام تعريض بمن يتلونه على غير هذه الحالة، وهم الذين عرف منهم واشتهر التحريف والتغيير، ولما أتى باسم الإشارة وعقب بقوله: (يُؤْمِنُونَ بِهِ) وفهم تعريضاً أيضاً بأن أولئك لا يؤمنون به، بنى عليه قوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) تذييلاً، فقوله: "حيث اشتروا الضلالة بالهدى" إشارة إلى أن قوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) مؤذن بأن قوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) كفر خاص، وأنه مفسر بالاستبدال، وفيه إدماج أنهم إنما حرفوا وبدلوا وما تلوه حق تلاوته؛ لأنهم أخذوا الرشى على ذلك، كقوله تعالى: (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة: 41].
قوله: (ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) اختبره)، الراغب: الابتلاء: الاختبار، لكن الابتلاء: طلب إظهار الفعل، والاختبار: طلب الخبر، وهما يتلازمان.
قوله: (واختبار الله عبده: مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين)، أي: الطاعة والمعصية، يعني مكن الله تعالى إبراهيم على الفعل والترك وأن يختار أيهما شاء، وفي قوله: "ما يريد الله وما يشتهيه العبد" اعتزال خفي، وإنما كان اختبار الله العبد مجازاً؛ لأن الابتلاء والامتحان في

الصفحة 70