كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك. وقرأ أبو حنيفة رحمه الله، وهي قراءة ابن عباس: (إبراهيم ربه) رفع "إبراهيم" ونصب "ربه"، والمعنى: أنه دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهن أم لا. فإن قلت: الفاعل في القراءة المشهورة يلي الفعل في التقدير، فتعليق الضمير به إضمار قبل الذكر. قلت: الإضمار قبل الذكر أن يقال: ابتلى ربه إبراهيم، فأما "ابتلى إبراهيم ربه" أو "ابتلى ربه إبراهيم" فليس واحد منهما بإضمار قبل الذكر؛ أما الأول: فقد ذكر فيه صاحب الضمير قبل الضمير ذكراً ظاهراً؛ واما الثاني: فإبراهيم فيه مقدم في المعنى، وليس كذلك "ابتلى ربه إبراهيم"؛ فإن الضمير فيه قد تقدم لفظاً ومعنى؛ فلا سبيل إلى صحته. والمستكن في (فَأَتَمَّهُنَّ) في إحدى القراءتين لإبراهيم، بمعنى: فقام بهن حق القيام، وأداهن أحسن التأدية من غير تفريط وتوان. ونحوه: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37]،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاهد لاستفادة علم خفي على الممتحن من الممتحن، وذلك غير جائز في حق الله سبحانه وتعالى؛ لأنه تعالى عالم بالمعلومات التي لا نهاية لها من الأزل إلى الأبد، فهو استعارة تبعية واقعة على طريق التمثيل كما سبق في قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ودل على سبق التشبيه قوله: "فعل المختبر ... " حيث نصب "فعل" على المصدر، أي: فعل معه فعلاً مثل فعل المختبر.
قوله: (والمستكن في (فَأَتَمَّهُنَّ) في إحدى القراءتين)، أي: المشهورة، وفي الأخرى، أي: قراءة أبي حنيفة.

الصفحة 71