كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

وفي الأخرى لله تعالى بمعنى: فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئاً. ويعضده ما روي عن مقاتل: انه فسر الكلمات بما سأل إبراهيم ربه في قوله: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً) [البقرة: 126]، (وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) [البقرة: 128]، (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) [البقرة: 129]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة: 127]. فإن قلت: ما العامل في "إذ"؟ قلت: إما مضمر، نحو: واذكر إذ ابتلى، أو: إذ ابتلاه كان كيت وكيت؛ وإما (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ). فإن قلت: فما موقع (قَالَ)؟ قلت: هو على الأول استئناف، كأنه قيل: فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟ فقيل: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويعضده)، أي: يعضد أن يكون الضمير في "أتمهن" لله تعالى، على قراءة أبي حنيفة: الرواية عن مقاتل؛ لأن الابتلاء حينئذ من إبراهيم عليه السلام والإتمام من الله، أما الابتلاء فقوله: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً) ونحوه، والإتمام: إجابة دعائه على سبيل توفية مطلوبه، أي: اختبر إبراهيم عليه السلام ربه بدعائه أنه تعالى: هل يجيبه إليه ويسعف مطلوبه وينجح مآربه أم لا؟
قوله: (هو على الأول)، أي: على إضمار عامل "إذ"، وإن كان هذا الوجه في التقدير وجهين لكن يجمعهما معنى إضمار العامل، ومن ثم قال: "إما مضمر ... وإما (قَالَ) " وعلى الثاني، أي: على أن يكون العامل (قَالَ) فيكون (قَالَ) في التقدير مقدماً على "إذ" رتبة؛ لأنه عامله، ومؤخراً عن حرف العطف، والجملة معطوفة على جملة قبلها، وهو قوله: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة: 122] عطف قصة على قصة، وما أعني بالمعطوف عليه هذه القربى، بل القصياء وأولاهن به؛ لأن هذه معادة خاتمة تقريراً للامتنان على بني إسرائيل وعوداً إلى بدء، وتخلصاً إلى قصة جدهم وبيان ما أنعم الله عليه من نعمة كل نعمة دونها،

الصفحة 72