كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

وعلى الثاني جملة معطوفة على ما قبلها، ويجوز أن يكون بياناً لقوله: (ابْتَلَى)، وتفسيراً له؛ فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده والإسلام قبل ذلك في قوله: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكيف لا وقد اشتمل على بيانه أكرم البقاع، ودعائه لأفضل الخلق بتلاوة أشرف الكتب، وهو قوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ) [البقرة: 129]، ونحوه قوله تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) إلى قوله: (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) [النمل: 91 - 92]، فعلى هذا أولى الوجوه في الآية: تقدير: اذكر، وجعل "قال" بياناً وإن أخره.
قوله: (ويجوز أن يكون بياناً لقوله: (ابْتَلَى))، والعامل في "إذ": اذكر، والضمير في "أتمهن" لإبراهيم عليه السلام، ويراد بالكلمات: ما ذكره من الإمام وغيرها إلى آخر الآيات، وإنما استقام أن يكون بياناً لأن ما بعد (قَالَ) إلى آخر (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) كالشرح والتفصيل لما أجمله في قوله: (بِكَلِمَاتٍ)، وصح أن يبتلى بها لما يتضمن كل واحد منها المشقة، قال القاضي: الابتلاء في الأصل التكليف بالأمر الشاق من البلاء. تم كلامه.
وسميت كلمات لأنها أوامر أو في تأويلها، كما سمي قوله: (كُنْ فَيَكُونُ) كلمة، وقد سمى الله تعالى قوله: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي) كلمة بقوله: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف: 26 - 28].
الراغب: الكلمات قد تقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتها، فقوله: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) [الأنعام: 115] أي: قضيته وحكمه، وقال: (لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي) [الكهف: 109] للمعاني التي يبرزها بالكلمات، ولم يرد

الصفحة 73