كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني: لما أردنا أن نجعل البيت مثابة للناس أمرنا إبراهيم بذلك فامتثل الأمر وحصل المأمور به وقلنا للناس: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).
والذي عليه ظاهر كلام المصنف من قوله: "ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت" أن قوله: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ) كالمقدمة للأمر بتطهير البيت، وقوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) جاء مستطرداً معترضاً للاهتمام.
ورابعاً: ابتلاه بقوله: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ)، فالأمر هو (طَهِّرَا)، على أن (عَهِدْنَا) أيضاً فيه معنى الأمر، فأتمه بما دل عليه قوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ)، أي: قبلت يا رب ما أمرتني به، وتوسلت إليك قبل الشروع بهذا الدعاء؛ لأن هؤلاء إنما يمكنهم الطواف والعكوف والصلاة إذا كان البلد آمناً ذا رزق، ثم بعد الدعاء شرعاً في المأمور به.
وأنت- أيها السامع- استحضر ذهنك لتلك الحالة العجيبة الشأن، وهي: إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل داعيين لله متضرعين إليه، إلى أن ختما الدعاء بالمطلوب السني، وهو قوله: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ)، وإلى هذه المعاني أشار مجملاً بقوله: "فيراد بالكلمات: ما ذكره من الإمامة، وتطهير البيت، ورفع قواعده والإسلام قبل ذلك".
والحاصل أن قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) صريح في المطلوب، فيلزم منه ومن ذلك الإجمال حمل البواقي على هذا المعنى ليصح التفصيل واستنباط معنى الأمر من الله، والامتثال من إبراهيم عليه السلام، والله أعلم. وهذا وجه متين قوي، وهو اختيار الإمام.

الصفحة 75