بعض البينات على بعض (¬1)، وليس هذا القول بشيء، لأن العمل بالراجح متعين عقلًا وشرعًا، وقد عمل الصحابة بالترجيح مجمعين عليه، وقد نص الشارع على اعتباره حيث قال: (يؤُمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله) (¬2) الحديث، فهذا تقديم للأئمة في الصلاة بالترجيح، ولما كثر القتلى يوم أحد كان يؤتى بالرجلين والثلاثة فيقول - صلى الله عليه وسلم -: (أيهم أكثر أخذًا للقرآن) (¬3). فإذا أشير إلى أحدهم قدمه في اللحد، وبالجملة فالترجيح دأب العقل والشرع (¬4).
قوله: ولا مدخل له في المذاهب من غير تمسك بدليل، خلافًا لعبد الجبار (¬5).
قال القاضي عبد الجبار: له مدخل في المذاهب بحيث يقال: مذهب الشافعي مثلًا أرجح من مذهب أبي حنيفة أو غيره وبالعكس (¬6)، وخالفه غيره.
حجته: أن المذاهب آراءً واعتقادات مسندةٌ إلى الأدِّلة والأمارات، وهي تتفاوت في القوة والضعف فجاز دخول الترجيح فيها كالأدلة.
¬__________
(¬1) نسبه إليه الإمام الجويني في التلخيص: (3/ 327).
(¬2) الحديث أخرجه مسلم (1/ 465) من حديمث أبي مسعود الأنصاري في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم (290).
(¬3) أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله. انظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 209) كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، برقم (1343).
(¬4) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 679).
(¬5) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (169).
(¬6) انظر: البرهان للجويني (2/ 750).