كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)

"""""" صفحة رقم 401 """"""
والمعنى أنهم يهربون منها راكضين دوابهم
الأنبياء : ( 13 ) لا تركضوا وارجعوا . . . . .
فقيل لهم ) لا تركضوا ( أى لا تهربوا قيل إن الملائكة نادتهم بذلك عند فرارهم وقيل إن القائل لهم ذلك هم من هنالك من المؤمنين استهزاء بهم وسخرية منهم ) وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ( أى إلى نعمكم التى كانت سبب بطركم وكفركم والمترف المنعم يقال أترف فلان أى وسع عليه فى معاشه ) ومساكنكم ( أى وارجعوا إلى مساكنكم التى كنتم تسكنونها وتفتخرون بها ) لعلكم تسألون ( أى تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير فى المهمات وهذا على طريقة التهكم بهم والتوبيخ لهم وقيل المعنى لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به وقيل لعلكم تسألون أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول العذاب بكم قال المفسرون وأهل الأخبار إن المراد بهذه الآية أهل حضور من اليمن وكان الله سبحانه قد بعث إليهم نبيا اسمه شعيب بن مهدم وقبره بجبل من جبال اليمن يقال له ضين وبينه وبين حضور نحو بريد قالوا وليس هو شعيا صاحب مدين قلت وآثار القبر بجبل ضين موجودة والعامة من أهل تلك الناحية يزعمون أنه قبر قدم بن قادم
الأنبياء : ( 14 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( أى قالوا لما قالت لهم الملائكة لا تركضوا يا ويلنا أى بإهلاكنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا مستوجبين العذاب بما قدمنا فاعترفوا على أنفسهم بالظلم الموجب للعذاب
الأنبياء : ( 15 ) فما زالت تلك . . . . .
) فما زالت تلك دعواهم ( أى ما زالت هذه الكلمة دعواهم أى دعوتهم والكلمة هى قولهم يا ويلنا أى يدعون بها ويرددونها ) حتى جعلناهم حصيدا ( أى بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل والحصيد هنا بمعنى المحصود ومعنى ) خامدين ( أنهم ميتون من خمدت النار إذا طفئت فشبه خمود الحياة بخمود النار كما يقال لمن مات قد طفىء
الأنبياء : ( 16 ) وما خلقنا السماء . . . . .
) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ( أى لم نخلقهما عبثا ولا باطلا بل للتنبيه على أن لهما خالقا قادرا يجب امتثال أمره وفيه إشارة إجمالية إلى تكوين العالم والمراد بما بينهما سائر المخلوقات الكائنة بين السماء والأرض على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها
الأنبياء : ( 17 ) لو أردنا أن . . . . .
) لو أردنا أن نتخذ لهوا ( اللهو ما يتلهى به قيل اللهو الزوجة والولد وقيل الزوجة فقط وقيل الولد فقط قال الجوهري قد يكفي باللهو عن الجماع ويدل على ما قاله قول امرئ القيس
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني
كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي
ومنه قول الآخر وفيهن ملهى للصديق ومنظر
والجملة مستأنفة لتقرير مضمون ما قبلها وجواب لو قوله ) لاتخذناه من لدنا ( أى من عندنا ومن جهة قدرتنا لا من عندكم قال المفسرون أى من الحور العين وفى هذا رد على من قال بإضافة الصاحبة والولد إلى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقيل أراد الرد على من قال الأصنام أو الملائكة بنات الله وقال ابن قتيبة الآية رد على النصارى ) إن كنا فاعلين ( قال الواحدي قال المفسرون ما كنا فاعلين قال الفراء والمبرد والزجاج يجوز أن تكون إن للنفي كما ذكره المفسرون أى ما فعلنا ذلك ولم نتخذ صاحبة ولا ولدا ويجوز أن تكون للشرط أى إن كنا ممن يفعل ذلك لاتخذناه من لدنا قال الفراء وهذا أشبه الوجهين بمذهب العربية
الأنبياء : ( 18 ) بل نقذف بالحق . . . . .
) بل نقذف بالحق على الباطل ( هذا إضراب عن اتخاذ اللهو أى دع ذلك الذى قالوا فإنه كذب وباطل بل شأننا أن نرمي بالحق على الباطل ) فيدمغه ( أى يقهره وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ ومنه الدامغة قال الزجاج المعنى نذهبه ذهاب الصغار والإذلال وذلك أن أصله إصابة الدماغ بالضرب قيل أراد بالحق الحجة ا ه وبالباطل شبههم وقيل الحق المواعظ والباطل المعاصي وقيل الباطل الشيطان وقيل كذبهم ووصفهم الله سبحانه بغير صفاته ) فإذا هو زاهق ( أى زائل ذاهب وقيل هالك تالف والمعنى متقارب وإذا هى الفجائية ) ولكم الويل مما تصفون ( أى العذاب فى الآخرة بسبب وصفكم لله بما لا يجوز عليه وقيل الويل واد فى جهنم وهو وعيد لقريش بأن لهم من العذاب مثل الذى لأولئك ومن

الصفحة 401