كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 418 """"""
الأنبياء 78 88 قوله :
الأنبياء : ( 78 ) وداود وسليمان إذ . . . . .
78 وداود معطوف على نوحا ومعمول لعامله المذكور أو المقدر كما مر وسليمان معطوف على داود والظرف في إذ يحكمان متعلق بما عمل في داود : أي واذكرهما وقت حكمهما . والمراد من ذكرهما ذكر خبرهما . ومعنى في الحرث في شأن الحرث وقيل كان زرعا وقيل كرما واسم الحرث يطلق عليهما إذ نفشت فيه أي تفرقت وانتشرت فيه غنم القوم قال ابن السكيت : النفش بالتحريك أن تنتشر الغنم بالليل من غير راع وكنا لحكمهم شاهدين أي لحكم الحاكمين وفيه جواز إطلاق الجمع على الاثنين وهو مذهب طائفة من أهل العربي كالزمخشري والرضي وتقدمهما إلى القول به الفراء . وقيل المراد الحاكمان والمحكوم عليه ومعنى شاهدين حاضرين والجملة اعتراضية .
الأنبياء : ( 79 ) ففهمناها سليمان وكلا . . . . .
وجملة 79 ففهمناها سليمان معطوفة على إذ يحكمان لأنه في حكم الماضي والضمير في ففهمناها يعود إلى القضية المفهومة من الكلام أو الحكومة المدلول عليها بذكر الحكم . قال المفسرون : دخل رجلان على داود وعنده ابنه سليمان : أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الحرث : إن هذا انفلتت غنمه ليلا فوقعت في حرثي فلم تبق منه شيئا فقال : لك رقاب الغنم فقال سليمان : أو غير ذلك ينطلق أصحاب الكرم بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ويقوم أصحاب الغنم على الكرم حتى إذا كان كليلة نفشت فيه دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم ودفع هؤلاء إلى هؤلاء كرمهم فقال داود : القضاء ما قضيت وحكم بذلك . قال النحاس : إنما قضى داود بالغنم لصاحب الحرث لأن ثمنها كانا قريبا منه وأما في حكم سليمان فقد قيل : كانت قيمة ما نال من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم سواء . قال جماعة من العلماء : إن داود حكم بوحي وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود فيكون التفهيم على هذا بطريق الوحي . وقال الجمهور : إن حكمهما كان باجتهاد وكلام أهل العلم في حكم اجتهاد الأنبياء معروف وهكذا ما ذكره أهل العلم في اختلاف المجتهدين وهل كل مجتهد مصيب أو الحق مع واحد وقد استدل المستدلون بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب فلا تدل عليه هذه الآية ولا غيرها بل صرح الحديث المتفق عليه في الصحيحين وغيرهما أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر فسماه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مخطئا فكيف يقال إنه مصيب لحكم الله موافق له فإن حكم الله سبحانه واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين وإلا لزم توقف حكمه عز وجل على اجتهادات المجتهدين واللازم باطل فالملزوم مثله . وأيضا يستلزم أن تكون العين التي اختلف اجتهاد المجتهدين فيها بالحل والحرمة حلالا في حكم الله سبحانه . وهذا اللازم كل مجتهد له اجتهاد في تلك الحادثة ولا ينقطع ما يريده الله سبحانه فيها إلا بانقطاع المجتهدين واللازم بأطل فالملزوم مثله . وقد أوضحنا هذه المسألة بما لا مزيد عليه في المؤلف الذين سميناه القول المفيد في حكم التقليد وفي أدب الطلب ومنتهى الأرب فمن أحب الوقوف على تحقيق الحق فليرجع إليهما . فإن قلت : فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية قلت : قد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عينا أو قيمة . وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث . وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ وأن البهائم إذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء وأدخلوا فسادها في عموم قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جرح العجماء
الصفحة 418
509