كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)

"""""" صفحة رقم 421 """"""
وأغضب أن تهجى تميم بعامر أي آنف فظن أن لن نقدر عليه قرأ الجمهور نقدر بفتح النون وكسر الدال . واختلف في معنى الآية على هذه القراءة فقيل معناها : أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته . وقد حكي هذا القول عن الحسن وسعيد بن جبير وهو قول مردود فإن هذا الظن بالله كفر ومثل ذلك لا يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وذهب جمهور العلماء أن معناها : فظن أن لن نضيق عليه كقوله : يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يضيق ومنه قوله : ومن قدر عليه رزقه يقال قدر وقدر وقتر وقتر : أي ضيق وقيل : هو من القدر الذي هو القضاء والحكم : أي فظن أن لن نقضي عليه العقوبة : قاله قتادة ومجاهد واختاره الفراء والزجاج مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة . قال أحمد بن يحيى ثعلب : هو من التقدير ليس من القدرة يقال منه : قدر الله لك الخير يقدره قدرا وأنشد ثعلب : فليس ت عشيات اللوى برواجع لن ا أب دا ما أبرم الس لم النض ر ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر مع ذلك الشكر أي ما تقدره وتقضي به ومما يؤيد ما قاله هؤلاء قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري فظن أن نقدر بضم النون وتشديد الدال من التقدير . وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس ويؤيد ذلك أيضا قراءة عبيد بن عمير وقتادة والأعرج أن لن يقدر بضم الياء والتشديد مبنيا للمفعول وقرأ يعقوب وعبد الله بن أبي إسحاق والحسن يقدر بضم الياء وفتح الدال مخففا مبنيا للمفعول . وقد اختلف العلماء في تأويل الحديث الصحيح في قول الرجل الذي لم يعمل خيرا قط لأهله أن يحرقوه إذا مات ثم قال : فوالله لئن قدر الله علي الحديث كما اختلفوا في تأويل هذه الآية والكلام في هذا يطول وقد ذكرنا ها هنا ما لا يحتاج معه الناظر إلى غيره والفاء في قوله : فنادى في الظلمات فصيحة : أي كان ما كان من التقام الحوت له فنادى في الظلمات والمراد بالظلمات : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وكان نداؤه : هو قوله : أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أي بأن لا إله إلخ ومعنى سبحانك : تنزيها لك من أن يعجزك شيء إني كنت من الظالمين الذي يظلمون أنفسهم قال الحسن وقتادة هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته قال ذلك وهو في بطن الحوت .
الأنبياء : ( 88 ) فاستجبنا له ونجيناه . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه بأنه استجاب له فقال : 88 فاستجبنا له دعاءه الذي دعانا به في ضمن اعترافه بالذنب على ألطف وجه ونجيناه من الغم بإخراجنا له من بطن الحوت حتى قذفه إلى الساحل وكذلك ننجي المؤمنين أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم وما أعددناه لهم من الرحمة وهذا هو معنى الآية الأخرى وهو قوله : فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قرأ الجمهور ننجي بنونين . وقرأ ابن عامر نجي بنون واحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر وكذلك نجى النجاة المؤمنين كما تقول ضرب زيدا : أي ضرب الضرب زيدا ومنه قول الشاعر : ولو ولدت فقيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا هكذا قال في توجيه هذه القراءة الفراء وأبو عبيد وثعلب وخطأهم أبو حاتم والزجاج وقالا : هي لحن لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله وإنما يقال نجي المؤمنون . ولأبي عبيدة قول آخر وهو أن أدغم النون في الجيم وبه قال القتيبي . واعترضه النحاس فقال : هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد مخرج النون من مخرج الجيم

الصفحة 421