كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)

"""""" صفحة رقم 429 """"""
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أي الخصلة الحسنى التي هي أحسن الخصال وهي السعادة وقيل التوفيق أو التبشير بالجنة أو نفس الجنة أولئك عنها مبعدون إشارة إلى الموصوفين بتلك الصفة عنها أي عن جهنم مبعدون لأنهم قد صاروا في الجنة . 102
الأنبياء : ( 102 ) لا يسمعون حسيسها . . . . .
(لا يسمعون حسيسها) الحس والحسيس الصوت تسمعه من الشيء يمر قريبا منك . والمعنى : لا يسمعون حركة النار وحركة أهلها وهذه الجملة بدل من مبعدون أو حال من ضميره وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون أي دائمون وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين كما قال سبحانه ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . 103
الأنبياء : ( 103 ) لا يحزنهم الفزع . . . . .
(لا يحزنهم الفزع الأكبر ) قرأ أبو جعفر وابن محيصن لا يحزنهم بضم الياء وكسر الزاي وقرأ الباقون لا يحزنهم بفتح الياء وضم الزاي . قال اليزيدي : حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم والفزع الأكبر : أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب وتتلقاهم الملائكة أي تستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم هذا يومكم الذي كنتم توعدون أي توعدون به في الدنيا وتبشرون فيه هكذا قال جماعة من المفسرين إن المراد بقوله : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى إلى هنا هم كافة الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح لا المسيح وعزير والملائكة وقال أكثر المفسرين : إنه لما نزل إنكم وما تعبدون الآية أتى ابن الزبعري إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا محمد ألست تزعم أن عزيزا رجل صالح وأن عيسى رجل صالح وأن مريم امرأة صالحة قال بلى فقال : فإن الملائكة عيسى وعزيرا ومريم ويعبدون من دون الله فهؤلاء في النار فأنزل الله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى وسيأتي بيان من أخرج هذا قريبا إن شاء الله . 104
الأنبياء : ( 104 ) يوم نطوي السماء . . . . .
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب قرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج والزهري نطوي بمثناة فوقية مضمومة ورفع السماء وقرأ مجاهد نطوي بالتحتية المفتوحة مبنيا للفاعل على معنى يطوي الله السماء وقرأ الباقون نطوي بنون العظمة وانتصاب يوم قوله : نعيده أي نعيده يوم نطوي السماء وقيل هو بدل من الضمير المحذوف في توعدون والتقدير : الذين كنتم توعدونه يوم نطوي وقيل بقوله لا يحزنهم الفزع وقيل بقوله تتلقاهم وقيل متعلق بمحذوف وهو اذكر وهذا أظهر وأوضح والطي ضد النشر وقيل المحو والمراد بالسماء الجنس والسجل الصحيفة : أي طيا كطي الطومار وقيل السجل الصك وهو مشتق من المساجلة وهي المكاتبة وأصلها من السجل وهو الدلو يقال : ساجلت الرجل إذا نزعت دلوا ونزع دلوا ثم استعيرت للمكاتبة والمراجعة في الكلام ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب : من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب وقرأ أبو زرعة بن عمرو وابن جرير السجل بضم السين والجيم وتشديد اللام وقرأ الأعمش وطلحة بفتح السين وإسكان الجيم وتخفيف اللام والطي في هذه الآية يحتمل معنيين : أحدهما الطي الذي هو ضد النشر ومنه قوله : والسماوات مطويات بيمينه . والثاني الإخفاء والتعمية والمحو لأن الله سبحانه يمحو ويطمس رسومها ويكدر نجومها . وقيل السجل اسم ملك وهو الذي يطوي كتب بني آدم وقيل هو اسم كاتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أولى . قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ويحيى وخلف للكتب جميعا وقرأ الباقون للكتاب وهو متعلق بمحذوف حال من السجل : أي كطي السجل كائنا للكتب أو صفة له : أي الكائن للكتب فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها فسجلها بعض أجزائها وبه يتعلق الطي حقيقة . وأما على القراءة الثانية فالكتاب مصدر واللام للتعليل : أي كما يطوي الطومار للكتابة : أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وهذا على تقدير أن المراد بالطي المعنى الأول وهو ضد النشر كما بدأنا أول خلق نعيده أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم وأخرجناهم إلى الأرض حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة فأول خلق

الصفحة 429