كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 452 """"""
التاء مع كسرهما ) أو تهوي به الريح ( أى تقذفه وترمى به ) في مكان سحيق ( أى بعيد يقال سحق يسحق سحقا فهو سحيق إذا بعد قال الزجاج أعلم الله أن بعد من أشرك به من الحق كبعد ما خر من السماء فتذهب به الطير أو هوت به الريح فى مكان بعيد
الحج : ( 32 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
) ذلك ومن يعظم شعائر الله ( الكلام فى هذه الإشارة قد تقدم قريبا والشعائر جمع الشعيرة وهى كل شئ فيه لله تعالى شعار ومنه شعار القوم فى الحرب وهو علامتهم التى يتعارفون بها ومنه إشعار البدن وهو الطعن فى جانبها الأيمن فشعائر الله أعلام دينه وتدخل الهدايا فى الحج دخولا أوليا والضمير فى قوله ) فإنها من تقوى القلوب ( راجع إلى الشعائر بتقدير مضاف محذوف أى فإن تعظيمها من تقوى القلوب أى من أفعال القلوب التى هى من التقوى فإن هذا التعظيم ناشئ من التقوى
الحج : ( 33 ) لكم فيها منافع . . . . .
) لكم فيها منافع ( أى فى الشعائر على العموم أو على الخصوص وهى البدن كما يدل عليه السياق ومن منافعها الركوب والدر والنسل والصوف وغير ذلك ) إلى أجل مسمى ( وهو وقت نحرها ) ثم محلها إلى البيت العتيق ( أى حيث يحل نحرها والمعنى أنها تنتهى إلى البيت وما يليه من الحرم فمنافعهم الدنيوية المستفادة منها مستمرة إلى وقت نحرها ثم تكون منافعها بعد ذلك دينية وقيل إن محلها هاهنا مأخوذ من إحلال الحرام والمعنى أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ورمى الجمار والسعي تنتهى إلى طواف الإفاضة بالبيت فالبيت على هذا مراد بنفسه
الحج : ( 34 ) ولكل أمة جعلنا . . . . .
) ولكل أمة جعلنا منسكا ( المنسك هاهنا المصدر من نسك ينسك إذا ذبح القربان والذبيحة نسيكة وجمعها نسك وقال الأزهرى إن المراد بالمنسك فى الآية موضع النحر ويقال منسك بكسر السين وفتحها لغتان قرأ بالكسر الكوفيون إلا عاصما وقرا الباقون بالفتح وقرأ الفراء المنسك فى كلام العرب الموضع المعتاد فى خير أو شر وقال ابن عرفة ) ولكل أمة جعلنا منسكا ( أى مذهبا من طاعة الله وروى عن الفراء أن المنسك العيد وقيل الحج والأول أولى لقوله ) ليذكروا اسم الله ( إلى آخره والأمة الجماعة المجتمعة على مذهب واحد والمعنى وجعلنا لكل أهل دين من الأديان ذبحا يذبحونه ودما يريقونه أو متعبدا أو طاعة أو عيدا أو حجا يحجونه ليذكروا اسم الله وحده ويجعلوا نسكهم خاصا به ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( أى على ذبح ما رزقهم منها وفيه إشارة إلى أن القربان لا يكون إلا من الأنعام دون غيرها وفى الآية دليل على أن المقصود من الذبح المذكور هو ذكر اسم الله عليه ثم أخبرهم سبحانه بتفرده بالإلهية وأنه لا شريك له والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ثم أمرهم بالإسلام له والانقياد لطاعته وعبادته وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر والفاء هنا كالفاء التى قبلها ثم أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يبشر ) المخبتين ( من عباده أى المتواضعين الخاشعين المخلصين وهو مأخوذ من الخبيت وهو المنخفض من الأرض والمعنى بشرهم يا محمد بما أعد الله لهم من جزيل ثوابه وجليل عطائه وقيل إن المخبتين هم الذين لا يظلمون غيرهم وإذا ظلمهم غيرهم لم ينتصروا
الحج : ( 35 ) الذين إذا ذكر . . . . .
ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين بقوله ) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( أى خافت وحذرت مخالفته وحصول الوجل منهم عند الذكر له سبحانه دليل على كمال يقينهم وقوة إيمانهم ووصفهم بالصبر ) على ما أصابهم ( من البلايا والمحن فى طاعة الله ثم وصفهم بإقامة ) الصلاة ( أى الإتيان بها فى أوقاتها على وجه الكمال قرأ الجمهور والمقيمى الصلاة بالجر على ما هو الظاهر وقرأ أبو عمرو بالنصب على توهم بقاء النون وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر
الحافظ عورة العشيرة
البيت بنصب عورة وقيل لم يقرأ بهذه القراءة أبو عمرو وقرأ ابن محيصن ) والمقيمين ( بإثبات النون على الأصل ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود ثم وصفهم سبحانه بقوله ) ومما رزقناهم ينفقون (
الصفحة 452
509