كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 460 """"""
وقد اختلف علماء المعقول فى محل العقل وماهيته اختلافا كثيرا لا حاجة إلى التطويل بذكره ) أو آذان يسمعون بها ( أي ما يجب أن يسمعوه مما تلاه عليهم أنبياؤهم من كلام الله وما نقله أهل الأخبار إليهم من أخبار الأمم المهلكة ) فإنها لا تعمى الأبصار ( قال الفراء الهاء عماد يجوز أن يقال فإنه وهى قراءة عبد الله بن مسعود والمعنى واحد التذكير على الخبر والتأنيث على الأبصار أو القصة أى فإن الأبصار لا تعمى أو فإن القصة لا تعمى الأبصار أي أبصار العيون ) ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ( أي ليس الخلل فى مشاعرهم وإنما هو فى عقولهم أى لا تدرك عقولهم مواطن الحق ومواضع الاعتبار قال الفراء والزجاج إن قوله التى فى الصدور من التوكيد الذى تزيده العرب فى الكلام كقوله عشرة كاملة ويقولون بأفواههم ويطير بجناحيه
الحج : ( 47 ) ويستعجلونك بالعذاب ولن . . . . .
ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال ) ويستعجلونك بالعذاب ( لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشد إنكار فاستعجالهم له هو على طريقة الاستهزاء والسخرية وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عز وجل بوقوعه عليهم وحلوله بهم ولهذا قال ) ولن يخلف الله وعده ( قال الفراء فى هذه الآية وعيد لهم بالعذاب فى الدنيا والآخرة وذكر الزجاج وجها آخر فقال أعلم أن الله لا يفوته شيء وإن يوما عنده وألف سنة فى قدرته واحد ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره فى القدرة إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى ومحل جملة ولن يخلف الله وعده النصب على الحال أى والحال أنه لا يخلف وعده أبدا وقد سبق الوعد فلا بد من مجيئه حتما أو هى اعتراضية مبينة لما قبلها وعلى الأول تكون جملة ) وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( مستأنفة وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التى قبلها مسوقة لبيان حالهم فى الاستعجال وخطابهم فى ذلك ببيان كمال حلمه لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما فى قوله ) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( قال الفراء هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم فى الآخرة أي يوم من أيام عذابهم فى الآخرة كألف سنة وقيل المعنى وإن يوما من الخوف والشدة فى الآخرة كألف سنة من سنى الدنيا فيها خوف وشدة وكذلك يوم النعيم قياسا قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي مما يعدون بالتحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله ) ويستعجلونك ( وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب واختارها أبو حاتم
الحج : ( 48 ) وكأين من قرية . . . . .
) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ( هذا إعلام منه سبحانه أنه أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير قيل وتكرير هذا مع ذكره قبله للتأكيد وليس بتكرار في الحقيقة لأن الأول سيق لبيان الإهلاك مناسبا لقوله ) فكيف كان نكير ( ولهذا عطف بالفاء بدلا عن ذلك والثاني سيق لبيان الإملاء مناسبا لقوله ) ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة ( فكأنه قيل وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أمهلتهم حينا ثم أخذتهم بالعذاب ومرجع الكل إلى حكمي فجملة وإلي المصير تذييل لتقرير ما قبلها
الحج : ( 49 - 51 ) قل يا أيها . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يخبر الناس بأنه نذير لهم بين يدى الساعة مبين لهم ما نزل إليهم فمن آمن وعمل صالحا فاز بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة ومن كان على خلاف ذلك فهو فى النار وهم الذين سعوا فى آيات الله معاجزين يقال عاجزه سابقه لأن كل واحد منهما فى طلب إعجاز الآخر فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه قاله الأخفش وقيل معنى معاجزين ظانين ومقدرين أن يعجزوا الله سبحانه ويفوتوه فلا يعذبهم قاله الزجاج وقيل معاندين قاله الفراء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) فهي خاوية على عروشها ( قال خربة ليس فيها أحد ) وبئر معطلة ( عطلها أهلها وتركوها ) وقصر مشيد ( قال شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) وبئر معطلة ( قال التى تركت لا أهل لها وأخرج عبد بن حميد
الصفحة 460
509