كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 462 """"""
ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه قال الله ) ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ( وقوله ) وما ينطق عن الهوى ( وقوله ) ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم ( فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون قال البزار هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بإسناد متصل وقال البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم وقال إمام الأئمة ابن خزيمة إن هذه القصة من وضع الزنادقة قال القاضي عياض فى الشفاء إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا قال ابن كثير قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح وإذا تقرر لك بطلان ذلك عرفت أن معنى ) تمنى ( قرأ وتلا كما قدمنا من حكاية الواحدي لذلك عن المفسرين وكذا قال البغوي إن أكثر المفسرين قالوا معنى ) تمنى ( تلا وقرأ كتاب الله ومعنى ) ألقى الشيطان في أمنيته ( أى فى تلاوته وقراءته قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام ويؤيد هذا ما تقدم فى تفسير قوله ) لا يعلمون الكتاب إلا أماني ( وقيل معنى ) تمنى ( حدث ومعنى ) ألقى الشيطان في أمنيته ( فى حديثه روى هذا عن ابن عباس وقيل معنى ) تمنى ( قال فحاصل معنى الآية أن الشيطان أوقع فى مسامع المشركين ذلك من دون أن يتكلم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا جرى على لسانه فتكون هذه الآية تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أى لا يهولنك ذلك ولا يحزنك فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء وعلى تقدير أن معنى تمنى حدث نفسه كما حكاه الفراء والكسائي فإنهما قالا تمنى إذا حدث نفسه فالمعنى أنه إذا حدث نفسه بشئ تكلم به الشيطان وألقاه فى مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا جرى على لسانه قال ابن عطية لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة وقد قيل فى تأويل الآية إن المراد بالغرانيق الملائكة ويرد بقوله ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ( أى يبطله وشفاعة الملائكة غير باطلة وقيل إن ذلك جرى على لسانه ( صلى الله عليه وسلم ) سهوا ونسيانا وهما مجوزان على الأنبياء ويرد بأن السهو والنسيان فيما طريقه البلاغ غير جائز كما هو مقرر فى مواطنه ثم لما سلاه الله سبحانه بهذه التسلية وأنها قد وقعت لما قبله من الرسل والأنبياء بين سبحانه أنه يبطل ذلك ولا يثبته ولا يستمر تعزيز الشيطان به فقال ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ( أى يبطله ويجعله ذاهبا غير ثابت ) ثم يحكم الله آياته ( أى يثبتها ) والله عليم حكيم ( أى كثير العلم والحكمة فى كل أقواله وأفعاله
الحج : ( 53 ) ليجعل ما يلقي . . . . .
وجملة ) ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة ( للتعليل أى ذلك الإلقاء الذى يلقيه الشيطان فتنة أى ضلالة ) للذين في قلوبهم مرض ( أى شك ونفاق ) والقاسية قلوبهم ( هم المشركون فإن قلوبهم لا تلين للحق أبدا ولا ترجع إلى الصواب بحال ثم سجل سبحانه على هاتين الطائفتين وهما من فى قلبه مرض ومن فى قلبه قسوة بأنهم ظالمون فقال ) وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( أى عداوة شديدة ووصف الشقاق بالبعد مبالغة والموصوف به فى الحقيقة من قام به
الحج : ( 54 ) وليعلم الذين أوتوا . . . . .
ولما بين سبحانه أن ذلك الإلقاء كان فتنة فى حق أهل النفاق والشك والشرك بين أنه فى حق المؤمنين العالمين بالله العارفين به سبب لحصول العلم لهم بأن القرآن حق وصدق فقال ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ( أى الحق النازل من عنده وقيل إن الضمير فى أنه راجع إلى تمكين الشيطان من الإلقاء لأنه مما جرت به عادته مع أنبيائه ولكنه يرد هذا قوله ) فيؤمنوا به ( فإن المراد الإيمان بالقرآن أى يثبتوا على
الصفحة 462
509