كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)

"""""" صفحة رقم 471 """"""
وقد اختلف العلماء فى هذا الحرج الذى رفعه الله فقيل هو ما أحله الله من النساء مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين وقيل المراد قصر الصلاة والإفطار للمسافر والصلاة بالإيماء على من لا يقدر على غيره وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض واغتفار الخطأ فى تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة وكذا فى الفطر والأضحى وقيل المعنى أنه سبحانه ما جعل عليهم حرجا بتكليف ما يشق عليهم ولكن كلفهم بما يقدرون عليه ورفع عنهم التكاليف التى فيها حرج فلم يتعبدهم بها كما تعبد بها بنى إسرائيل وقيل المراد بذلك أنه جعل لهم من الذنب مخرجا بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار والتكفير فيما شرع فيه الكفارة والأرش أو القصاص فى الجنايات ورد المال أو مثله أو قيمته فى الغصب ونحوه والظاهر أن الآية أعم من هذا كله فقد حط سبحانه ما فيه مشقة من التكاليف على عباده إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذى شرعه الله وما أنفع هذه الآية وأجل موقعها وأعظم فائدتها ومثلها قوله سبحانه ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وقوله ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( وقوله ) ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ( وفى الحديث الصحيح أنه سبحانه قال قد فعلت كما سبق بيانه فى تفسير هذه الآية والأحاديث فى هذا كثيرة وانتصاب ملة فى ) ملة أبيكم إبراهيم ( على المصدرية بفعل دل عليه ما قبله أى وسع عليكم دينكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم وقال الزجاج المعنى اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم وقال الفراء انتصب على تقدير حذف الكاف أى كملة وقيل التقدير وافعلوا الخير كفعل أبيكم إبراهيم فأقام الملة مقام الفعل وقيل على الإغراء وقيل على الاختصاص وإنما جعله سبحانه أباهم لأنه أبو العرب قاطبة ولأن له عند غير العرب الذين لم يكونوا من ذريته حرمة عظيمة كحرمة الأب على الابن لكونه أبا لنبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) ) هو سماكم المسلمين من قبل ( أى فى الكتب المتقدمة ) وفي هذا ( أى القرآن والضمير لله سبحانه وقيل راجع إلى إبراهيم والمعنى هو أى إبراهيم سماكم المسلمين من قبل النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وفى هذا أى فى حكمه أن من اتبع محمدا فهو مسلم قال النحاس وهذا القول مخالف لقول علماء الأمة ثم علل سبحانه ذلك بقوله ) ليكون الرسول شهيدا عليكم ( أى بتبليغه إليكم ) وتكونوا شهداء على الناس ( أن رسلهم قد بلغتهم وقد تقدم ببيان معنى هذه الآية فى البقرة ثم أمرهم بما هو أعظم الأركان الإسلامية فقال ) فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( وتخصيص الخصلتين بالذكر لمزيد شرفهما ) واعتصموا بالله ( أى اجعلوه عصمة لكم مما تحذرون والتجئوا إليه فى جميع أموركم ولا تطلبوا ذلك لا منه ) هو مولاكم ( أى ناصركم ومتولى أموركم دقيقها وجليلها ) فنعم المولى ونعم النصير ( أى لا مماثل له فى الولاية لأموركم والنصرة على أعدائكم وقيل المراد بقوله اعتصموا بالله تمسكوا بدين الله وقيل ثقوا به تعالى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) يا أيها الناس ضرب مثل ( قال نزلت فى صنم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) ضعف الطالب والمطلوب ( قال الطالب آلهتهم والمطلوب الذباب وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر عن عكرمة فى قوله ) لا يستنقذوه منه ( قال لا تستنقذ الأصنام ذلك الشئ من الذباب وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة وأخرج أيضا عن أنس وصححه أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال موسى بن عمران صفي الله وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف قال قال لي عمر ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ وجاهدوا فى الله

الصفحة 471