كتاب تفسير فتح القدير (الفكر) (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 485 """"""
واحد ويتبع بعضهم بعضا من الوتر وهو الفرد قال الأصمعي واترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة وقال غيره المتواترة المتتابعة بغير مهلة قرأ ابن كثير وابن عمرو تترى بالتنوين على أنه مصدر قال النحاس وعلى هذا يجوز تترى بكسر التاء الأولى لأن معنى ثم أرسلنا واترنا ويجوز أن يكون فى موضع الحال أى متواترين ) كل ما جاء أمة رسولها كذبوه ( هذه الجملة مستأنفة مبينة لمجئ كل رسول لأمته على أن المراد بالمجئ التبليغ ) فأتبعنا بعضهم بعضا ( أى فى الهلاك بما نزل بهم من العذاب ) وجعلناهم أحاديث ( الأحاديث جمع أحدوثة وهى ما يتحدث به الناس كالأعاجيب جمع أعجوبة وهى ما يتعجب الناس منه قال الأخفش إنما يقال جعلناهم أحاديث فى الشر ولا يقال فى الخير كما يقال صار فلان حديثا أى عبرة وكما قال سبحانه فى آية أخرى ) فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ( قلت وهذه الكلية غير مسلمة فقد يقال صار فلان حديثا حسنا ومنه قول ابن دريد فى مقصورته وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثا حسنا لما روى
) فبعدا لقوم لا يؤمنون ( وصفهم هنا بعدم الإيمان وفيما سبق قريبا بالظلم لكون كل من الوصفين صادرا عن كل طائفة من الطائفتين أو لكون هؤلاء لم يقع منهم إلا مجرد عدم التصديق وأولئك ضموا إليه تلك الأقوال الشنيعة التى هى من أشد الظلم وأفظعه
المؤمنون : ( 45 ) ثم أرسلنا موسى . . . . .
ثم حكى سبحانه ما وقع من فرعون وقومه عند إرسال موسى وهارون إليهم فقال ) ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا ( هى التسع المتقدم ذكرها غير مرة ولا يصح عد فلق البحر منها هنا لأن المراد بالآيات التى كذبوا بها واستكبروا عنها والمراد بالسلطان المبين الحجة الواضحة البينة قيل هى الآيات التسع نفسها والعطف من باب إلى الملك القرم وابن الهمام
وقيل أراد العصى لأنها أم الآيات فيكون من باب عطف جبريل على الملائكة وقيل المراد بالآيات التى كانت لهما وبالسلطان الدلائل المبين التسع الآيات
المؤمنون : ( 46 ) إلى فرعون وملئه . . . . .
والمراد بالملأ فى قوله ) إلى فرعون وملئه ( هم الأشراف منهم كما سبق بيانه غير مرة ) فاستكبروا ( أى طلبوا الكبر وتكلفوه فلم ينقادوا للحق ) وكانوا قوما عالين ( قاهرين للناس بالبغي والظلم مستعلين عليهم متطاولين كبرا وعنادا وتمردا
المؤمنون : ( 47 ) فقالوا أنؤمن لبشرين . . . . .
وجملة ) فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ( معطوفة على جملة ) استكبروا ( وما بينهما اعتراض والاستفهام للإنكار أى كيف نصدق من كان مثلنا فى البشرية والبشر يطلق على الواحد كقوله ) بشرا سويا ( كما يطلق على الجمع كما فى قوله ) فإما ترين من البشر أحدا ( فتثنيته هنا هى باعتبار المعنى الأول وأفرد المثل لأنه فى حكم المصدر ومعنى ) وقومهما لنا عابدون ( أنهم مطيعون لهم منقادون لما يأمرونهم به كانقياد العبيد قال المبرد العابد المطيع الخاضع قال أبو عبيدة العرب تسمى كل من دان لملك عابدا له وقيل يحتمل أنه كان يدعي الإلهية فدعى الناس إلى عبادته فأطاعوه واللام فى ) لنا ( متعلقة بعابدون قدمت عليه لرعاية الفواصل
المؤمنون : ( 48 ) فكذبوهما فكانوا من . . . . .
والجملة حالية ) فكذبوهما ( أى فأصروا على تكذيبهما ) فكانوا من المهلكين ( بالغرق فى البحر
المؤمنون : ( 49 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
ثم حكى سبحانه ما جرى على قوم موسى بعد إهلاك عدوهم فقال ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( يعني التوراة وخص موسى بالذكر لأن التوراة أنزلت عليه فى الطور وكان هارون خليفته فى قومه ) لعلهم يهتدون ( أى لعل قوم موسى يهتدون بها إلى الحق ويعملون بما فيها من الشرائع فجعل سبحانه إيتاء موسى إياها إيتاء لقومه لأنها وإن كانت منزلة على موسى فهى لإرشاد قومه وقيل إن ثم مضافا محذوفا أقيم المضاف إليه مقامه أى آتينا قوم موسى الكتاب وقيل إن الضمير فى ) لعلهم ( يرجع إلى فرعون وملائه وهو وهم لأن موسى لم يؤت التوراة إلا بعد إهلاك فرعون وقومه كما قال سبحانه ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى (
الصفحة 485
509