ابن ياسر، وخَبَّاب بن الأَرَتِّ، وصهيب بن سنان، وبلال بن رباح، وعامر بن فُهَيرة، وأشباههم. فإذا مرت بهم قريش استهزؤوا بهم وقالوا: هؤلاء جلساؤه قد منَّ الله عليهم من بيننا. فأنزل الله تعالى: {أَلَيسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} (¬1) [الأنعام: 53].
وقال هشام: أول من أظهر الإسلام بمكة: أبو بكر - صلى الله عليه وسلم - وبلال وعمار وصهيب وخبَّاب - رضي الله عنهم-، فأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الباقون فلم يكن لهم عشائر يمنعونهم، فعذبوا عذابًا شديدًا، وفيهم نزل: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)} [النحل: 41، 42]، كانوا يُلْبِسونهم أدراع الحديد، ويصهرونهم في الشمس في وقتِ الهاجرة (¬2).
فَقَد أبو طالب رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لفتيان بني هاشم: خذوا سلاحكم، وكونوا على مكاناتكم حتَّى أرجع. وخرج إلى الجبل ونادى: يا محمدُ. وإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي في أسفل مكة، فقال له: ما لك يا عم؟ فقال: ظننْت أنك قد اغتلت، فكدت أن تجرِّمني فأقتل قومي اليوم. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض عليه الإسلام، فقال: أريد آية. فقال: ترى تلك الشجرة؟ فقال: نعم. فقال: أدعو ربي أن يأتيك بها؟ قال: فافعَل، فدعا الله، فأقبلت تهتز بإذن الله تعالى، فقال لها: ارجعي بإذن الله. فرجعت. فقال: يا ابن أخي، لهذا يقولى قومُك بأنك ساحر. فانطلق به أبو طالب إلى مجالس قريش وقال: اليوم أؤيسهم منك، ووقف عليهم وقاق: قد كنت أُراكم قتلتم ابن أخي، ورب البيت الحرام والبلد الحرام لو فعلتم ذلك؛ لقتل كل واحد من هؤلاء الفتيان جليسه، ثم قال: أخرجوا أشفاركم، فأخرجوها. فلما رأت قريش ذلك يئسوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3).
ولما اشتد الأمر وعلمت قريش أن أبا طالب لا يُسْلمه إليهم ولا يخذلُه، مَشَوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة -وكان من أجمل فتيان قريش وأَسْراهم- فقالوا له: يا أبا طالب، هذا أنْهَدُ فتى في قريش وأجمله، فخذه واتخذه ولدًا وسلّم إلينا محمدًا، فإنه قد
¬__________
(¬1) انظر "سيرة ابن هشام" 2/ 29، و"حلية الأولياء" 2/ 24 - 25، و"الاكتفاء" 1/ 374.
(¬2) انظر "الطبقات الكبرى" 3/ 214، و"المنتظم" 4/ 298.
(¬3) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 172 نحوه، أما انصياع الشجرة لأمره - صلى الله عليه وسلم - فقد ورد بذلك عدة أحاديث، انظرها في "دلائل النبوة" 6/ 7، و"سبل الهدى والرشاد" 10/ 117.