كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

فوالذي بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لقد رأيت الذي سَمّى صَرعى، ثم سُحِبوا إلى قليب بدر قد غَيَّرتهم الشمس، وكان يومًا حارًا (¬1).
وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فلقيه أبو البَخْتَري فأنكر وجهه، فسأله عن حاله فأخبره، وكان بيده سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به، فسار بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى، فقال أبو جهل: ويلكم، كفوا فإنما يريد محمدٌ أن يوقع بينكم العداوة (¬2).
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعقبة بن أبي معيط: يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عمّا أرى؟ فقال عقبة: لا، حتى تدع ما أنت عليه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله لتنتهين أو لتحلَّنَّ بك قارعة.
قال أبو جهل: والله لئن رأيت محمدًا يصلي لَأَطَأَنَّ رقبته. فبلغه أنه يصلي، فجاءه وقال: ألم أنهك عن الصلاة؟ فانتهره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتنهرني وأنا أعز أهل البطحاء؟ فقال له العباس -وكان قريبًا منه-: كذبت. فنزل قوله تعالى: {أَرَأَيتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (¬3) [العلق: 9، 10].
قال عبد الله بن عَمرو: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - بفناء الكعبة، إذ أقبل عُقْبَةُ بن أبي مُعَيط فأخذ بمنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر - رضي الله عنه -. فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} (¬4) [غافر: 28] وفي رواية: أقبلوا على أبي بكر فجعلوا شعره خُصلًا وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام، وفي ضمنه: كيف تسلط عدوك على وليك (¬5)؟ .
وقال ابن عباس: اجتمع القوم في الحِجْر، فتعاهدوا على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
¬__________
(¬1) مسلم (1794) (110).
(¬2) أخرجه البزار في "مسنده" (1853)، والطبراني في "الأوسط" (766) من حديث ابن مسعود - صلى الله عليه وسلم -.
(¬3) أخرجه الواحدي في "أسباب النزول" ص 493 - 494 من حديث ابن عباس، وأخرجه مسلم (2797) من حديث أبي هريرة بغير هذا السياق.
(¬4) أخرجه البخاري (4815).
(¬5) لم نقف عليها.

الصفحة 110