كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

والصحيح: قول عامة الصحابة.
قال الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه -: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حمَّاد بن سَلَمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رأَيتُ ربي تبَارك وتَعالى" (¬1). ولو رآه بعيني قلبه، لم يكن له مزية على آحاد أمته، فإن عامة المؤمنين يرون الله تعالى بقلوبهم دائمًا.
وحكى النَّقَّاش، عن الإمام أحمد بن حنبل - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أنا أقول: رأى ربه بعيني رأسه، رآه، رآه، رآه، ... حتى انقطع نفس الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - (¬2).
وحكى القاضي عياض، عن أبي الحسن الأشعري أنه قال: رآه ببصره وعيني رأسه، قال: وكل آية أوتيها نبي من الأنبياء فقد أوتيها نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وخُصَّ نبينا - صلى الله عليه وسلم - من بينهم بتفضيل الرؤية (¬3).
وما روي عن عائشة - رضي الله عنهما-، فالجواب عنه من وجوه:
أحدها: أنه رأي منها، لا رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولمَّا قيل للإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه -: بماذا ترد قول عائشة؟ فقال: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رأَيتُ رَبِّي".
والثاني: أنها لم تكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمن المعراج.
والثالث: أنها نفت، والعمل على الإثبات، وقد أثبتَ الروايةَ أعيانُ الصحابة، وقولهم مقدَّمٌ على رأيها، خصوصًا وقد رفعوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد قال القاضي عياض: رؤية الله في الدنيا جائزة عقلًا، وليس في العقل ما يحيلُها، ولهذا سألها موسى - عليه السلام -، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على الله تعالى (¬4).
قال المصنف -رحمه الله-: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ما رأى ربه في دار الدنيا، وإنما راه في الدار الآخرة، لأن {قَابَ قَوْسَينِ} [النجم: 9] ليس من حساب الدنيا، وخصوصًا وقد خرق
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد في "مسنده" (2580).
(¬2) في (خ) تكرر الحديث السابق بسنده فلعله سبق قلم من الناسخ. وانظر الخبر في "الشفا" 1/ 260.
(¬3) "الشفا" 1/ 261.
(¬4) "الشفا" 1/ 261.

الصفحة 146