وعلي - عليه السلام - نائم في فراشه، فلما رأوه قالوا: والله لقد صَدَقَنا الرجلُ الذي حدَّثنا (¬1).
والذين كانوا ينتظرونه: أبو جهل، والحكم بن أبي العاص، وعُقبة بن أبي مُعَيط، والنَّضر بن الحارث، وأميَّة بن خلف، وزَمْعَة بن الأسود، وأبو لهب، وطعيمة بن عدي، وأُبي بن خلف في آخرين (¬2).
قال الطبري: ضربوا علي بن أبي طالب وحبسوه ساعة، وأطلقوه، قال: وكان أبو بكر قد أتى عليًّا - رضي الله عنهما - فسأله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره أنه لحق بغار ثور، فخرج أبو بكر - رضي الله عنه - مسرعًا حتى لحق النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَرْسَ أبي بكر - رضي الله عنه - فحسبه من الكفار فأسرع المشي فانقطع قَبالُ نَعْلِه، ففلق إبهامَه حجر فسال الدم، فخاف أبو بكر - رضي الله عنه - أن يشق عليه فرفع صوته، فعرفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أتاه، فانطلقا ورِجْلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستنُّ دمًا حتى انتهيا إلى الغار مع الصبح فدخلاه (¬3).
وقال ابن إسحاق: جاء أبو بكر - رضي الله عنه - إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصاح: يا نبي الله، يحسب أنه على الفراش، فقال له علي - رضي الله عنه -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انطلق نحو بئر ميمون، فأدْرِكْه. فانطلق حتى لحقه، وبات الكفار يرمون عليًّا - رضي الله عنه - بالحجارة وهو يتضوّرُ قد لف رأسه في الثوب إلى الفجر (¬4).
قال الثعلبي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلَّف عليًّا - رضي الله عنه - بمكة لقضاءِ ديونه وردِّ الودائع التي كانت عنده.
ذكر دخولهما إلى الغار:
قال أنس: لما كان ليلة الغار، قال أبو بكر - رضي الله عنه -: يا رسول الله، دعني أدخل قبلك، فإن كان ثمَّ حَيّةٌ أو شيءٌ كانت بي قبلك، قال: "ادخُل". فدخل وجعل أبو بكر - رضي الله عنه - يلتمس بيديه، فكلما رأى جُحْرًا قال بثوبه فشقه، ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال: فبقي جحر واحد، فوضع عَقِبَهُ فيه، قال: ادخل يا رسول الله فدخل، فلما أصبح قال: "أينَ ثوبُك يا أبا بكرٍ؟ " فأخبره بالذي صنع، فرفع رسول الله
¬__________
(¬1) انظر "السيرة" لابن هشام 2/ 91 - 92، و "الطبقات الكبرى" 1/ 194 - 195، و"المنتظم" 3/ 48 - 49.
(¬2) انظر "الطبقات الكبرى" 1/ 195، و"المنتظم" 3/ 49.
(¬3) "تاريخ الطبري" 2/ 374.
(¬4) أخرجه أحمد في "مسنده" (3061) ضمن حديث طويل.