بخشب السَّاج، فقال: "عَرِيشٌ كعَريشِ مُوسى - عليه السلام - " ثم بنى إلى جانبه بيوتًا وسقفها بجذوع النخل، فلما فَرَغَ مِن البناء جعل باب عائشة شارعًا في المسجد، وجعل سودة بنت زَمْعة في البيت الذي يليه (¬1).
وفي المتفق عليه: عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تُشدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسجِدِ الحَرَامِ، ومَسجِدي، والمَسجِدِ الأَقْصى" (¬2). "فصلاةٌ في مسجدي أَفْضَلُ مِن ألفِ صلاةٍ مما سواه إلا المسجدَ الحرام" (¬3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: حزَمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بَينَ لابَتي المدينة. قال أبو هريرة: فلو وجدتُ الظباءَ ما بينَ لابتيها ما ذَعَرْتُها، وجَعَلَ حَولَ المدينةِ حمى اثني عشر ميلًا (¬4).
ذكر مقامِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة:
وأقام بمكة ثلاث عشرةَ سنة -يعني بعد النبوة-، وهو الأصح، وقيل: عشر سنين، وقيل: خمس عشرة سنة. وهاجر في أول السنة الرابعة عشرة.
وفيها: بَعثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة: زيد بن حارثة وأبا رافع مولياه ليُحضرا أهله، ودفع إليهما بعيرين وخمس مئة درهم اقترضها من أبي بكر - رضي الله عنه -، فحَملا إلى المدينة: فاطمة وأُمَّ كُلثوم عليهم السلام ابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت رقية - رضي الله عنه - قد هاجرت مع عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وحبس أبو العاص بن الربيع زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده، وحمل زيد معه أيضًا ابنه أسامةَ - رضي الله عنه - إلى المدينة، وخرج عبد الله بن أبي بكر - رضي الله عنهما - بأم رومان وعائشة - رضي الله عنها - إلى المدينة، وخرج عبد الله ومعهم طلحة بن عُبَيد الله - رضي الله عنه - (¬5).
وبلغ أبا أحمد بن جحش الأسدي الأعمى، أن أبا سفيان بن حرب باع دورهم من
¬__________
(¬1) انظر "الطبقات الكبرى" 1/ 205 - 206.
(¬2) جمع المؤلف هنا بين حديثين في سياق واحد، وقد فرق بينهما الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (2194)، وانظر البخاري (1189)، ومسلم (1397).
(¬3) أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394)، وانظر الجمع بين الصحيحين (2476).
(¬4) أخرجه البخاري (1873)، ومسلم (1372) (472) واللفظ له.
(¬5) انظر "الطبقات الكبرى"1/ 204، و"تاريخ الطبري" 2/ 400، و"المنتظم" 3/ 70.