كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

وفيها: كانت غزاة بني قريظة (¬1).
قال علماء السير: لما انصرف الأحزاب عن المدينة، لحق أبو سفيان بمكة، وعُيينةُ بنجد، والأعراب بأماكنها، دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت عائشة - رضي الله عنها -، ووضع المسلمون سلاحهم، فجاء جبريل - عليه السلام - مُعْتَجِرًا بعِمامةٍ من إستبرق، وقيل: كانت سوداء، قد أرخى ذُؤابتيها بين كتفيه، وهو على بَغْلةٍ عليها قَطيفةٌ أو رِحالةٌ من ديباج، فوقف عند موضع الجنائز، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: "يا محمَّد، عَذيرُكَ (¬2) من مُحاربٍ! أَوَ قَدْ وَضعتَ السَّلاح، واللهُ يأمُرُكَ أن تَسيرَ إلى بني قُريظَةَ". فخرج راكبًا على حمار عُرْيٍ والناس يمشون بين يديه، ودعا عليًا رضوان الله عليه فدفع إليه لواءه، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مَكتوم، وسار إليهم في ثلاثة آلاف من المسلمين، وستة وثلاثين فرسًا، وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة، أو القعدة (¬3).
وقال له جبريل - عليه السلام -: إني مُزلزلٌ عليهم حُصونَهم.
وقد روى الإِمام أحمد رحمة الله عليه، عن عائشة رضوان الله عليها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من الأحزاب، دخل إلى المُغْتَسلِ ليغتسل، فجاءه جبريل - عليه السلام - فقال: أَوَقَدْ وضعتم السلاح، ما وضعت الملائكة أسلحتها، أو ما وضعنا سلاحنا أو أسلحتنا بَعْدُ، اِنْهَدْ إِلى بني قريظة.
قالت عائشةُ: كأني انظر إلى جبريل من خلل الباب قد عصب رأسه من الغبار في زقاق بني غَنْم (¬4).
فسار إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم بضع عشرة ليلة. وفي رواية: خمس عشرة
¬__________
(¬1) "السيرة" 2/ 233، و"المغازي" 2/ 496، و"الطبقات الكبرى" 2/ 70، و"أنساب الأشراف" 1/ 414، و"تاريخ الطبري" 2/ 581، و"المنتظم" 3/ 238، و"البداية والنهاية" 4/ 116.
(¬2) أي: هات من يعذرك.
(¬3) "المغازي" 2/ 497، و"الطبقات" 2/ 70.
(¬4) أخرجه أحمد في "مسنده" (24994)، وقوله: "في زقاق بني غنم" هو من حديث أنس الآتي، ولم نقف عليه من حديث عائشة.

الصفحة 348