كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

المسلمين يقال لها: رُفَيْدَة، كانت تداوي الجرحى، وتقوم على المرضى تحتسب فعلها عند الله تعالى، وكان كَلْمُ سَعْدٍ قد انفجرَ (¬1).
وقال هشام (¬2): حاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وكان حُييَ بن أخطب قد دخل في حصن كعب بن أسد وفاءً لكعبٍ بما عاهده عليه، فلما تيقنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير منصرف عنهم حتى يُناجزَهم، اجتمعوا وتشاوروا، فقال لهم كعب بن أسد: قد نزل بكم ما تَرَوْنَ فاختاروا إحدى ثلاث: إما أن نبايعَ هذا الرجل ونصدِّقَه وقد علمتم أنه نبي مُرْسَلٌ، وأنه الذي قد وجدتم نَعْتَه في كتابكم، فآمنوا به، واحقنوا دِماءَكم، وأحرزوا أموالكم وأولادكم ونساءكم، فأبَوْا وقالوا: لا نتركُ دينَنا، قال: فتعالَوْا حتى نقتلَ أبناءَنا ونساءنا، ونخرجَ بسيوفنا، فإما أن نُقْتَلَ أو نَظْفَرَ، فإن قُتِلنا لم يكن وراءنا هَمٌّ، وإن ظَفِرنا فما نعجزُ عن اتخاذ الأبناء والنساء. قالوا: فإذا قتلنا أهلنا فأي عيش يبقى لنا بعدهم.
قال: فإن أبيتم فالليلةُ ليلةُ السبت ومحمدٌ وأصحابه آمنون من خروجنا إليهم، فأخرجوا فلعلنا أن نصيب منهم غِرَّة، فقالوا: لا تُفْسِدْ علينا سبْتَنا فنُمْسَخَ كما مُسِخَ غيرُنا. فقال لهم: يا إِخْوَةَ القِرَدَةِ، والله ما بات أحدكم منذُ ولدته أمه ليلة من الدهر حازمًا!
ثم اتفقوا فيما بينهم أن يرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلبوا منه أبا لُبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف ليستشيروه في أمرهم، وكانوا حلفاء الأوس.
قال أبو لبابة: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهَب إلى حُلفَائِكَ، فإنَّهم أَرسَلُوا إليكَ من بَينِ الأَوسِ والخَزرَجِ"، فدخلت إليهم فمشَوْا إلي، وبكى النساءُ والصبيانُ وقالوا: نحن مواليك دون الناس كلهم، وقد عرفت ما صنعنا في أمرك وأمر قومك يومَ الحدائقِ ويومَ بُعاثٍ، وكلَّ حَرْبٍ كنتم فيها، وقد اشتد علينا الحصار وهلكنا، وخيَّرنا بأن [لا] يفارقنا حتى ننزل على حكمه، فماذا ترى؟ فإنا قد اخترناك على غيرك. فرقَّ لهم وقال: نعم فانزلوا على حكمه. وأشار إلى حلقه إِنه الذبح.
¬__________
(¬1) "السيرة" 2/ 239.
(¬2) هكذا جاء في النسخ، ولعله ابن هشام.

الصفحة 350