كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

قال أبو لُبابةَ: فوالله ما زالَت قدمي عن مكانها حتى ندمت واسترجعت، وقلت: خُنْتُ الله ورسولَه، ونزلتُ، وإنَّ لحيتي مبتلةٌ بالدموع والناس ينتظرون رجوعي إليهم، فأخذت طريقًا من وراء الحِصنِ إلى المسجد، فربطت نفسي إلى ساريةٍ، وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - صنيعي. فقال: "دَعُوه حتَّى يُحْدِثَ الله فيهِ ما يَشَاءُ، لو كانَ جاءَني لاسْتَغفَرتُ له، فإذْ لم يَأتِني وذَهَب، فَدعُوهُ". فأقام سبعًا لا يأكل ولا يشرب في حَرٍّ شديد وقال: لا أزال كذا حتى أفارقَ الدنيا أو يتوبَ الله علي.
قالت أم سلمة: فرأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحُلُّ رباطه، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرفع صوته يكلمه ويخبره بتوبته، وما يدري كثيرًا مما يقول من الجَهْدِ والضعفِ، ولقد كان الرباط حَزَّ في ذراعه، وكان من شَعَرٍ، وكان يداويه بعد ذلك دهرًا (¬1).
وقال ابن إسحاق: نزلتْ توبةُ أبي لبابة ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أم سَلَمةَ. قالت: فقلت: ألا أُبَشَّره؟ قال: "بَلَى". فناديته: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. فثار الناس ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكونَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يطلقني بيده. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطلقه (¬2).
قال الواقدي: وأسلم في تلك الليلة جماعة من قُرَيظة والنَّضير منهم: عمرو بن سُعْدى القُرَظي، وكان قد أبى أن ينقض ما بينه وبيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نقضت قريظة، وقال: لا أَغْدِرُ بمحمد. فخرج في تلك الليلة، فمر بحرسِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيهم محمَّد بن مسلمة فلم يعرض له، فذهب فلا يدرى أين سلك (¬3).
قال البلاذري: ومن أشراف قريظة أسيد بن أعصم الساحر أخو لبيد، ورفاعة بن زيد بن التابوت, والزَّبِير بن باطا، وقردم بن كعب، وكعب بن أسد، وكان المشار إليهم، في آخرين (¬4).
¬__________
(¬1) انظر "السيرة" 2/ 235 - 237، و"المغازي" 2/ 503 - 508، وسياق القصة منهما جميعًا.
(¬2) "السيرة" 2/ 237.
(¬3) "المغازي" 2/ 503 - 504.
(¬4) "أنساب الأشراف" 1/ 333، وذكرهم البلاذري في معرض حديثه عن عظماء اليهود فذكرهم، لا أنهم أسلموا.

الصفحة 351