كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

ولما أصبحوا، نزلوا على حُكْمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتواثبت الأوس وقالوا: يا رسول الله، إنهم موالينا دونَ الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج ما فعلت، يشيرون إلى بني قينقاع الذين شفع فيهم عبد الله بن أبي. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعَاشِرَ الأَوْسِ، أَمَا ترَضَوْن أَن يحكُمَ فيهم رَجلٌ مِنكُم؟ " قالوا: بلى. قال: "فَذَاكَ سعدُ بنُ معاذٍ". قالوا: رضينا، فقال: "عَليَّ بسَعدِ بن مُعاذٍ". فجيء به على حمار وعليه إِكافٌ من ليف، فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو، حُلفاؤك ومواليك ومَنْ قَدْ عَلِمْتَ. وسعد يقول: أنا لا أبالي في الله لومة لائم. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احكُم فِيهم". فقال: أحكم فيهم أن يُقْتَلَ مُقاتِلُهم، وتُسبى ذراريهم، وتُقْسَمَ أموالُهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله، وأنزلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار ابنة الحارث، امرأةٍ من بني النجار (¬1).
وكان من حكم سعد أن يقتل كل من جَرت عليه الموسى (¬2). قال عطية القُرَظي: وكانوا يقتلون من أنبت، فكنت فيمن لم يُنْبِت (¬3). ثُمَّ كُتِّفوا، وجعل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن سلام، ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السوق الذي هو اليوم سوقُ المدينة، وحفر لهم الخنادق، وخدَّ لهم الأخاديد، وأُخْرِجوا رَسْلاً فضربت أعناقهم، وكان عِدَّتُهم من الست مئة إلى السبع مئة أو ثمان مئة، وقيل: أربع مئة، وفيهم كعب بن أسد، وحُيَيُّ بن أخطب، وعَزَّال بن شمويل (¬4).
ولما جيء بحُييِّ بنِ أخطب، كان عليه حُلَّةٌ قضاعية (¬5) قد شقَّقها من كل جانب لئلا يلبسَها غيرُه، ويداه مجموعةٌ إلى عُنُقه، فلما رأى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: والله ما لمتُ نفسي في عداوتك، ولكنه من يَخْذُلِ اللهَ يُخْذَلْ، وهذا أمر قَدَّره الله، ومَلْحمةٌ كتبها على بني إسرائيل، ثم قُدَّمَ فَضُرِبَتْ عنقه (¬6).
¬__________
(¬1) انظر "السيرة" 2/ 239 - 240.
(¬2) انظر "المنتظم" 3/ 239.
(¬3) أخرجه أحمد في "مسنده" (22659).
(¬4) انظر "السيرة" 2/ 240 - 241، و"تاريخ الطبري" 2/ 590.
(¬5) هكذا في النسخ، وفي "السيرة": "فقَّاحية" وهي التي تضرب إلى الحمرة.
(¬6) "السيرة" 2/ 241.

الصفحة 352