كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

سعد خزرجية، شهد العقبة مع السبعين، وبدرًا، وأحدًا، والخندق، ووثبت عليه بَنانةٌ من حِصْنٍ لبني قريظة فشدخت رأسه، فقتلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به - وقد ذكرناه - ولمّا قتل، جاءت أمه مُنْتَقِبَةً فقيل لها: أتنتقبين وقد قُتِلَ خَلادٌ؟ فقالت: إن كنت رُزِئتُ خَلّادًا فما رُزِئتُ حياءَ وجهي.

سعد بن معاذ (¬1)
ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، أبو عمرو، من الطبقة الأولى من الأخيار، وأمه: كَبْشةُ بنتُ رافع بن معاوية خزرجية، أسلمت وبايعت. وأسلم سعد على يَدَيْ مُصْعَبِ بن عمير، فأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل، وشهد بدرًا وأحدًا وثبت يومئذ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وآخى بينه وبين أبي عُبيدة بن الجراح، وقيل: بينه وبين سعد ابن أبي وقاص.
وقال أبو المتوكل: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحمَّى حظُّ كلِّ مُؤمِنٍ مِنَ النَّارِ"، فسألها سعد فلزمته، فلم تفارقه حتى مات (¬2).
قال أبو سعد: وكواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار مرتين بسبب جرحه، وكان جُرحَ في الخندق.
وقال سعدٌ لمّا جرح: اللهمَّ إنك تعلمُ أنه ليس أحدٌ أحبَّ إلي أن أجاهدَهم فيك من قومٍ كذَّبوا رسولك وأخرجوه، اللهمَّ وإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان قد بقي من حرب قريش شيء فأبقني أجاهدهم فيك، اللهمَّ إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافْجُرْها واجعل موتي فيها. فانفجرت من ليلته، فلم يَرُعْهُم - وفي المسجد معه قومٌ من بني غِفار - إِلاّ والدمُ يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قِبَلِكُم؟ فإذا جرح سعد يَغْذو دَمًا، فما زال يسيل حتى مات (¬3).
¬__________
(¬1) "الطبقات الكبرى" 3/ 388، و"المنتظم" 3/ 242، و"سير أعلام النبلاء" 1/ 279، و"الإصابة" 2/ 37، و"البداية والنهاية" 4/ 126.
(¬2) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 389.
(¬3) أخرجه البخاري (4122)، ومسلم (1769) (67) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

الصفحة 356