كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

قال ابن إسحاق: رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزاة بني لحيان، فأغار عُيَيْنَةُ بنُ حِصْن بن بدر الفَزاري في خيل غَطَفان على لِقاحِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت عشرين لَقْحةً ترعى بالغابة، وفيها رجل من بني غَطَفان وامرأة، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة، وكان عيينة في أربعين فارسًا. وقيل: إن الرجل الراعي كان ابن أبي ذر، وجاء الصَّريخُ إلى المدينة فنودي: يا خيلَ اللهِ اركبي. وهي أول ما نودي بها في المدينة، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا عُبيدة بن الجرَّاح وسَلَمة بن الأكوع في آثارهم.
قال البخاري: حدثنا حسان، عن محمد بن طلحة، عن حُميد، عن ثابت، عن سَلَمة بن الأكوع قال: خرجتُ قبل أن يؤذَّن بالأولى، وكانت لِقاحُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترعى بذي قَرَد، فلقيَني غلامٌ لعبد الرحمن بن عوف، فقال: أُخِذَتْ لِقاحُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: من أخذها؟ قال: غطفان. فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاهُ. قال: فأسمعتُ ما بين لابَتَيْها - أو لابَتَيِ المدينةِ - ثم اندفعت على وجهي فأدركتهم يسقون على الماء، فجعلت أرميهم بنبلي وكنت راميًا، وأقول: أنا ابن الأكوع، اليومُ يومُ الرُّضَّعِ. وأَرْتَجِزُ حتى استَعَدْتُ اللِّقاح منهم، واستلبت ثلاثين بُرْدَةً.
قال: وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقلت: يا نبي الله، قد حَمَيْتُ القومَ الماءَ. فقال: "يا ابنَ الأَكْوَعِ، مَلكْتَ فَأَسْجِح". قال: فرجعنا، وأَرْدَفَني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقته حتى دخلنا المدينة. وهو حديث طويل متفق عليه (¬1).
وفيه قال سلمة: فرجعنا من (¬2) الحديبية إلى المدينة، فنزلنا منزلًا، بيننا وبين بني لحيان جَبَلٌ - وذكر ما يدل على أن هذه الغزاة بعد غزاة الحديبية - وبنو لحيان مشركون، فاستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن رَقيَ ذلك الجبلَ في تلك الليلة طليعةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قال سلمة: فرقيته مرتين أو ثَلاثًا، ثم قَدِمْنا فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع غلامه رَباح، فخرجت معه بفرس طلحة، وذكر غارةَ عبد الرحمن الفزاري على المدينة، وأَخْذَهُ ظَهْرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقَتْلَ راعيه.
قال سلمة: فقلت: يا رَباحُ، خذ هذا الفرسَ، فأبلغه طلحةَ بن عُبَيْد الله، وأَخْبر
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (4194)، ومسلم (1806) والحديث بهذا السياق انفرد بإخراجه مسلم كما سيأتي.
(¬2) في النسخ: إلى؟ !

الصفحة 362