كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

قطرة. قال: ويخرجون فَيشتدون في ثَنِيَّةٍ، فأعدو فألحق منهم رجلًا فأصكُّه بسَهْم في نُغض (¬1) كتفه وقلت: خذها وأنا ابن الأكوع. فقال: يا ثكلته أمه، أكْوَعُه بُكْرَةَ (¬2)؟ قلت: نعم يا عدوَّ نفسه.
قال: وأوردوا فرسين على ثنيَّةٍ، فجئت بهما أسوقُهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولحقني عامرٌ بسطيحةٍ فيها مَذْقَةٌ من لبن، وسطيحةٍ فيها ماءٌ فتوضأت وشربت، فأتيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي حَلَّيْتهم عنه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الإبلَ، وكلَّ بُرْدَةٍ ورُمحٍ استنقذته من المشركين، وكلَّ شيءٍ خلَّصتُه، وإذا بلال قد نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم وهو يشوي منها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، خَلِّني، وأَنْتَخِبُ من القوم مئة رجل فأتبعُ القوم فلا أُبقي منهم مُخبِّرًا إلا قتلته. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه في ظل النار، وقال: "يا سَلَمةُ، أَتُراكَ كُنتَ فَاعِلًا"؟ قلت: نعم والذي أكرمك، فقال: "إِنَّهم الآَنَ ليُقْرَوْنَ في أَرضِ غَطَفانَ". فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جَزورًا، فلما كشطوا جلده رأوا غبارًا، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ فُرسانِنَا اليَومَ أَبو قَتَادَةَ، وخَيرُ رَجَّالَتِنا سَلَمةُ".
قال: وأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمين: سهم للفارس وسهم للراجل، فجمعهما لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العَضْباءِ راجعين إلى المدينة.
قال: فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وسنذكر تمام الحديث إن شاء الله تعالى في غزاة خيبر.
¬__________
(¬1) هو العظم الرقيق الذي على طرف الكتف، وقيل هو أعلى الكتف.
(¬2) أي: أأنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار.
(¬3) إلي هذا الحد الذي ذكره المصنف انفرد بإخراجه مسلم (1807). وأما ذكر قصة خيبر فهي من المتفق عليها، وقال الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" 1/ 587: في هذا الحديث ذكر الإغارة على السرح، وقصة عامر وارتجازه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لأعطين الراية" مما قد اتفق البخاري معه على معناه، ولكن فيه من الزيادة والشرح ما يوجب كونه من أفراد مسلم.

الصفحة 364