كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

وأصابوا رجلًا واحدًا فأسلم، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها: كانت سرية زيد بن حارثة (¬1) إلى بني سُليم في ربيع الآخر، وكانوا بمكان يقال له: الجَموم، بينه وبين المدينة أربعةُ بُرُدٍ، فمروا بامرأة من مُزَيْنَةَ يقال لها: حليمة، فدلَّتهم على العدو وساعدهم زوجها (¬2)، فأصابوا من بني سُليم نَعَمًا وأسرى وشاءً، فلما عاد زيد إلى المدينة، حمل المرأة وزوجها ووهب الجميع لزوجها (¬3).
وفيها: كانت سرية زيد أيضًا إلى العيص (¬4)، في جمادى الأولى، وبينه وبين المدينة أربعة أميال، في مئة وسبعين راكبًا يطلب عِير قريشٍ، جاءت من الشام، أخذها وما فيها، وأسر أبا العاص بن الربيع زوج زينب - عليها السلام - بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدم به المدينة.
وقال الواقدي: هرب أبو العاص من زيد، فدخل المدينة ليلًا وأتى باب زينب - رضي الله عنها - فاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الفجر، صاحت زينب - عليها السلام -: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
فلما سلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَمِعتُم ما سَمِعتُ"؟ قالوا: نعم، قال: "فَوَالذي نَفسِي بِيَده ما عَلِمتُ بشَيءٍ ممَّا كَانَ، حتى سَمِعتُ ما سَمعتُم، إنه يُجِيرُ على النَّاس أَدناهُم، وقد أَجرتُ مَن أَجارَتْ زَينَبُ"، ثم قال: "يا بُنيَّةُ، أَكرِمي مَثواهُ، ولا يَخْلُصْ إليكِ؛ فإنَك لا تَحِلِّينَ له" ثم ردَّ عليه ماله. وخرج أبو العاص إلى مكة، ثم عاد إلى المدينة مسلمًا.
وذكر موسى بن عقبة: أن الذي أسر أبا العاص إنما هو أبو بَصير وأبو جَندل، قال: لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بصير بعد قتل جُحيش: "اذهَبْ أَينَ شِئتَ". خرج في خمسة نفرٍ كانوا قدموا معه من مكة مسلمين، فنزلوا بين العِيص وذي المَروْة يقطعون الطريق
¬__________
(¬1) "الطبقات الكبرى" 2/ 83، و"أنساب الأشراف" 1/ 455، و"تاريخ الطبري" 2/ 641، و"دلائل النبوة" 4/ 84، و"المنتظم" 3/ 256، و"البداية والنهاية" 4/ 178.
(¬2) الصواب أنهم أسروه فيمن أسر.
(¬3) العبارة في "الطبقات": وهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمزنية نفسها وزوجها.
(¬4) "المغازي" 2/ 553، و"الطبقات الكبرى" 2/ 83، و"أنساب الأشراف" 1/ 455، و"دلائل النبوة" للبيهقي 4/ 84، و"المنتظم" 3/ 256، و"البداية والنهاية" 4/ 178.

الصفحة 366