كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

- صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا مِن قَومٍ يَتَأَلَّهونَ، فابعَثُوا الهَدْيَ". فلما رأى الهَدْيَ يسيل عليه من عُرْض الوادي في قلائده قد أكل أوبارَه من طول الحبس عن مَحِلِّه، رجع ولم يصلْ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعظامًا لما رأى، فقال: يا معاشر قريش، قد رأيتُ ما لا يَحلُّ صَدُّه، الهَديَ في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن مَحِلِّه، فقالوا: اجلس، فإنما أنت أعرابي لا علم لك.
فبعثوا إليه عُرْوةَ بن مسعود الثقفي فقال: يا معاشر قريش، إني قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد من التعنيف وسوءِ اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعتُ من أطاعني من قومي، ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتَّهم. فخرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس بين يديه فقال: يا محمد، قد جمعتَ أوباشَ الناس وجئت بهم لبيضتك لتفُضَّها، إنها قريش قد عاهدت الله أن لا تدخلها عليهم عَنوةً أبدًا، وايْمُ اللهِ لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدًا.
قال: وأبو بكر - رضي الله عنه - قاعدٌ خَلْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: امْصَصْ بَظْر اللّاتِ والعزى، أنحن ننكشف عنه؟ فقال: من هذا يا محمد؟ فقال: "ابنُ أَبي قُحافَةَ". فقال: أما والله لولا يدٌ كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بها، ثم تناول لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمغيرةُ بن شعبة واقف على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديد، فقرع يده بقائم سيفه وقال: اكفُفْ يدك عن لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل والله أنْ لا تصلَ إليك، فقال: يا محمد، من هذا؟ قال: "ابنُ أَخيكَ المُغيرةُ بنُ شُعبةَ". قال: يا غُدَرُ، وهل غَسَلْتَ سوأتك إلا بالأمس؟ ! فكلَّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما كلَّم به أصحابه، فقام من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ وضوءًا إلا ابتدروه، ولا يَبْصُق بُصاقًا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شَعْرِه شيءٌ إلا أخذوه، فرجع إلى قريش فقال: إني والله جئت قيصرَ وكِسْرى والنجاشي في مُلكهم، والله ما رأيت مَلِكًا قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قومًا لا يسلمونه لشيء أبدًا، فَرَوْا رأيكم.
قال: وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك بعث خِراشَ بنَ أُمية الخُزاعي إلى مكة وحمله على جمل له يقال له: الثَّعلب، فأرادت قريش قتله فمنعهم الأحابيش حتى أتى

الصفحة 375