كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

حَجَفَتُك - أو دَرَقَتُك - التي أَعْطَيتُكَ"؟ فقلت: يا رسول الله، لقيني عمي عامر وهو أعزل فأعطيته إياها فَضِحَكَ فقال: "إنَّكَ كالذي قَال: اللَّهمُّ ابْغِني حَبِيبًا هو أَحَبُّ إليَّ مِن نَفْسِي".
ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشينا بعضُنا في بعض واصطلحنا، قال: وكنت تبيعًا لطلحة بن عُبَيْد الله أسقي فرسه وأَحُسُّه وأخْدُمه وآكُل من طعامه، وتركتُ أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسوله، فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا في بعض أتيت شجرة فكَسَحْتُ شوكَها واضطجعت في أصلها وإذ قد أتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحولت إلى شجرةٍ أُخرى فعلَّقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينا هم كذلك إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا لَلْمهاجرين، قُتل ابن زُنَيم فاخْتَرَطْتُ سيفي ثم شَدَدْتُ على أولئكَ الأربعةِ وهم رقود فأخذت سلاحَهم فجعلته ضِغْثًا في يدي، ثم قلت: والذي كرَّم محمدًا لا يرفع أحدٌ منكم رأسه إلا أخذتُ الذي فيه عيناه، ثم جئت بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء عمي عامر برجل من العَبَلاتِ يقال له: مِكْرز بن هَوْذةَ يقودُه على فرسٍ مُجَفَّفٍ في سبعين من المشركين يقودهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنظر إليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "دَعُوهُم، يَكُنْ لَهم بَدءُ الفُجورِ وثِناهُ" فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... } [الفتح: 24] الآية، قال: ثم رجعنا إلى المدينة فنزلنا منزلًا وبيننا وبين بني لِحْيان جَبَلٌ وهم مشركون، فاستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن رَقى الجبل طليعةً، قال: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثًا (¬1).
وعن أنس بن مالك قال: لما كان يومُ الحديبية هبط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهِ ثمانونَ رجلًا من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غِرَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا عليهم وأُخِذوا فَعفا عنهم، ونزل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... } الآية (¬2).
تفسير ألفاظ غريبه:
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم (1807).
(¬2) أخرجه مسلم (1808).

الصفحة 384