كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

وقال الواقدي: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية بضعة عشر يومًا، وقيل: عشرين يومًا ثم انصرف راجعًا إلى المدينة فنزل عليه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1] فهنأَه المسلمون (¬1). وقال عمر: أَفَتْحٌ هُو؟ قال: "نَعَم".
قال جابر: ما كنا نَعُدُّ فتح مكة إلا يوم الحديبية بهذه السورة.
ولما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم خيبر لم يُعْطِ إلا من شَهِدَ الحديبية.
وقال البراء: أنتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية (¬2).
وقال الشَّعْبي في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} قال: فتح الحديبية، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفتح عليه خيبر وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، وفرح المسلمون بظهور أهل الكتاب على المجوس (¬3).
وقال أنس: المراد به فتح مكة. وقال مجاهد: خيبر. والأول أشهر.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عبد الرزاق عن مَعْمَر عن قتادة عن أنس قال: نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] الآية مَرْجِعَهُ من الحديبية، فقال: "لَقَد أُنزِلَت عليَّ آيةٌ أَحبُّ إليَّ مما على الأرضِ" ثم قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هنيئًا لك مريئًا فنحن ما يُفعلُ بنا؟ فنزلت: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} [الفتح: 5]، إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا}. أخرجاه في "الصحيحين" (¬4).
وقال الواقدي: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام المقبل في الشهر الذي صُدَّ عنها فيه، وذلك قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} (¬5) [البقرة: 194].
وفي هذه الغزاة مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر أمه بالأبواء فنزل وصلى عندها ركعتين وبكى وأبكى الناس (¬6).
¬__________
(¬1) "المغازي" 2/ 616 و 618.
(¬2) أخرجه البخاري (4150).
(¬3) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 3/ 225.
(¬4) أخرجه أحمد في "مسنده" (13035)، والبخاري (4172)، ومسلم (1786).
(¬5) "المغازي" 2/ 731 - 732.
(¬6) انظر "الطبقات الكبرى" 1/ 95.

الصفحة 389