كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

وأمر بالخيل أن تُنْعَلَ وقال: أخبرْ صاحبك بما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره بالخبر وبما قد عزم عليه، فكتب إليه قيصر لا تَسِرْ إليه ولا تتعرضْ له، فدعاني وأمر لي بمئة مثقال من الذهب، ووصلني حاجبه مري بنفقة وكِسْوة وقال: اقرأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام. قال: فقدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبلغته ما جرى فقال: "بادَ مُلكُه" وأقرأتُه سلام مري فقال: وعليه السلام.
ومات الحارث عام الفتح وتمزق ملكه (¬1).
فصل: وأما دِحْيَةُ فقدم بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[على قيصر] قال الإمام أحمد رحمه الله: حدَّثنا يعقوب، حدَّثنا ابنُ أخي ابنِ شِهاب، عن عمه محمدِ بنِ مُسلم، أخبرني عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبدَ الله بن عباس أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه مع دِحْيَةَ الكلبي وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدفعه إلى عظيم بُصرى ليدفعه إلى قيصر، فدفعه عظيمُ بُصرى إلى قيصر، وكان قيصرُ لما كَشَف الله عنه جنود فارس، مَشَى من حِمصَ إلى إِيلْيَاء على الزَّرَابي تُبسَطُ له، قال ابن عباس: فلما جاء قيصرَ كتابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين قرأه: التمسوا لي من قومه من أسألُه عنه.
قال ابن عباس: فأخبرني أبو سُفيان بنُ حَرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تِجارًا، وذلك في الهدنة التي كانت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش، قال أبو سفيان: فأتاني رسول قيصر فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إِيلْيَاء فأُدخلنا عليه، وإذا هو جالس في مجلس ملكه، عليه تاجه، وحوله عظماء الروم، فقال لتَرْجُمانه: سلهم أيهم أقرب نسبًا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبًا إليه، قال: ما قرابتُك منه؟ قلت: هو ابن عمي، وقال أبو سفيان: وليس في الرَّكب يومئذ رجل من بني عبد مَناف غيري، فقال قيصر: ادن مني، فدنوت، وأمر أصحابي فَجُعِلوا خلف ظهري عند كتفي ثم قال لتَرْجُمانه: قل لأصحابه: إني سائل هذا عن هذا الرجل
¬__________
(¬1) "الطبقات" 1/ 224 - 225، و"المنتظم" 3/ 289.

الصفحة 394