كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

الذي يزعم أنَّه نبي، فإن كَذبَ فكَذِّبوه، قال أبو سفيان: فوالله لولا الاستحياء أن يأْثُر عني أصحابي الكذب لكذبته حين سألني، ولكن استحييت أن يأْثُروا عني الكذب فصدقته، ثم قال لتَرْجُمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ فقلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القولَ فيكم أحدٌ قبله؟ قال: قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس اتَّبعوه أم ضُعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أفيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتدُّ أحد منهم سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: قلت: لا. قال: فهل يَغْدِرُ بأَحدٍ؟ قال: قلت: لا، ونحن الآن في مدَّةٍ ونحن نخاف ذلك. قال أبو سفيان: ولم تُمكِّني كلمةٌ أُدْخِلُ فيها شيئًا أنتَقِصه بها غيرها لأني أخاف أن يؤثر عني. قال: فهل قاتَلْتُموه أو قَاتلَكُم؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان حربكم وحربه؟ قلت: سجالًا نُدَال عليه مرَّةً، ويُدال علينا أُخرى. قال: فما يأمرُكم؟ قلت: يأمرُنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلاةِ والصِّدْق، والوَفاء والعَفاف، والمحافظة على العهود، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام. قال: فقال لتَرْجُمانه حين قلت ذلك له: قل له: إني سألتك عن نسبه فزعمتَ أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله قط؟ فزعمت أنْ لا؛ فقلتُ: لو كان أحدٌ قال هذا القول قبله، قلت: رجلٌ يأتمُّ بقولٍ قيل قبله. وسألتك: هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أنْ لا، فقلتُ: لم يكنْ ليكذبَ على الناس فكيف على الله. وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أنْ لا، فقلتُ: فلو كان من آبائه من ملك، قلت: رجلٌ يطلب مُلْكَ آبائه. وسألتك: أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمتَ أن ضعفاءَهُم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتمَّ. وسألتك: هل يرتد أحد سَخْطةً لدينه. بعد أن يَدْخُلَ فيه؟ فزعمت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشَتُه القلوبَ لا يَسْخَطُه أحد. وسألتك هل يغدِر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل. وسألتك هل قاتلتموه؟ فزعمت أنه قد فعل وأن الحرب بينكم تكون دُوَلًا تُدالون عليه ويُدالُ عليكم، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة.

الصفحة 395