كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

وسألتك: ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصدق، والصلاة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وهذه صفة نبي، قد كنتُ أعلم أنه خارج، ولكن لم أظن أنه منكم، وإن يكن ما قلت فيه حقًّا فيوشك أن يملك موضع قدميَّ هاتين، والله لو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لُقيَّهُ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به فقرئ عليه فإذا فيه: "بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ: من محمَّدٍ عبدِ اللهِ ورَسولِهِ إلى هِرَقْلَ عظيم الرُّومِ سَلامٌ على من اتَّبع الهُدَى، أمَّا بعدُ: فإنِّي أَدعوكَ بدِعَايةِ الإسلامِ، أَسلِمْ تَسلم، يُؤْتِكَ الله أجرَكَ مرتين، فإن توليت فعليكَ إثمُ الأَرِيسيِّينَ - يعني الأكَرَة - و {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
قال أبو سفيان: فلما قضى مقالته، علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم، وكثر لَغَطُهم، فما أدري ماذا قالوا، وأمر بنا فأخرجنا.
قال أبو سفيان: فقلت لأصحابي: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كَبْشَة؛ هذا ملك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: فوالله ما زلت ذليلًا مُستَيقِنًا أن أمره سيظهر حتى أدخل الله الإسلام قلبي، وأنا كاره.
أخرجاه في "الصحيحين" و"المسند" (¬1).
وللبخاري: وكان ابن الناطور - صاحبُ إِيلْيَاء وهِرَقْلَ - أُسْقُفَّهُ على نصارى الشام، فحدَّث أن هِرَقْلَ حين قدم إِيلْيَاء أصبح يومًا خبيث النَّفْس، فقال بعض بَطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حزَّاءً ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: رأيت الليلة حين نظرتُ في النجوم مَلِكَ الخِتان قد ظهر، فمن يَخْتَتنُ من هذه الأمة؟ فقالوا: اليهود فلا يُهِمَّنَّكَ شأنُهم، واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيها من اليهود، فإنه ليس يختتنُ سواهم، فبينا هم على ذلك إذ أُتي هرقلُ برجل أرسله إليه ملكُ
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (7)، ومسلم (1773)، وأحمد (2370).

الصفحة 396