كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 3)

فصل: وأما عبدُ الله بنُ حُذافةَ السَّهْمي فقدم على كسرى.
قال الواقدي: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب إليه:
"بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ، من محمدٍ رَسولِ اللهِ إلى كِسْرَى عَظيمِ فارِسَ، سَلامٌ على من اتَّبع الهُدَى وآمَن باللهِ ورَسولِهِ، وشَهِدَ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلى الناس كافة {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: 70] الآية، أما بعدُ: فإنِّي أَدعوكَ بِداعِيَةِ اللهِ، فأَسْلِم تَسلَم، فإن أبيتَ فعليكَ إثمُ المجوسِ. والسَّلامُ".
فلما قرأ كتابه خرقه وقال: يكتبُ إلي مثلُ هذا وهو عبدي، ثم كتب إلى باذان عاملِه باليمن أنِ ابعث إلى هذا الرجلِ الذي بالحجاز رجلين من عندك جَلْدين فليأتياني به.
فبعث قَهرمانَه بابَوَيْه وكان كاتبًا حاسبًا ورجلًا آخر من الفرس يقال له: خُرَّخُسره وكتب معهما كتابًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره بالانصراف معهما إلى كسرى، وبلغ قريشًا ففرحوا، وقالوا: كفيتم أمره فقد نصب له العداوة ملك الملوك كسرى، فقدم الرجلان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلا عليه وكلَّمه القهرمان وقال: إن شاهنشاه قد كتب إلى الملك باذان يأمره بإنفاذك إليه، وقد بعث بي لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك الملك كتابًا إلى ملك الملوك ينفعك عنده ويكف عنك، وإن أبيت فهو مَن قد علمت، وإنه مهلكُكَ وقومَك ومخرب بلادك، وكانا قد حَلقا لِحاهما وأعفيا شواربهما، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النظر إليهما فقال: "وَيلَكُما مَن أَمَركُما بهذا"؟ قالا: ربنا، يعنيان كسرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لكنَّ ربِّي اللهُ أَمَرَني بإعفَاءِ لِحيَتي وقصِّ شَارِبي" ثم قال: "ارجِعا حتى تأتِياني غدًا" وأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الخبرُ من السماء أنَّ الله قد سَلَّط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا في ليلة كذا، فدعاهما فأخبرهما، فقالا: هل تدري ما تقول؟ فإنَّا قد نَقِمْنا عليك ما هو أيسر من هذا؟ أفنكتب عنك بهذا إلى الملك، قال: نعم وقولا له: "إنَّ دِيني وسُلطَاني سَيبلُغُ مُلكَ كِسْرَى، ويَنتهي إلى مُنتَهى الخُفِّ والحافرِ، وقولا له إن أَسْلَمتَ أعطيتك ما تحت قَدمَيكَ ومَلَّكتك على قومِكَ من الأَبناء" ثم أعطى خُرَّخسره مِنطَقَةً بها ذهب وفضة أَهداها له بعضُ الملوكِ، وخَرَجا من عنده، فقدما على باذان فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا ملك، وإني لأراه كما يقول نبيًا، ولننظر ما قال،

الصفحة 401