كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 3)
لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ (¬1)، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ" (¬2).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ (¬3)، لَأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ، فكُنْتُ قَدْ تَهَيَّاْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ، إِذْ أَقْبْلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ (¬4) تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِي (¬5)، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَال: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلِي الشَّيْطَانَ بَيْتًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْهُ؟ " مَرَّتَيْنِ، فكَفَفْتُ (¬6) عَنِ البُكَاءِ، فَلَمْ أَبْكِ (¬7).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَة، فَيَقُولُ: إنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ! أجُرْنِي في مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أخْلَفَ اللَّهُ
¬__________
(¬1) الغَابِرِين: أي البَاقِين، ومنه قوله تَعَالَى في سورة الأعراف آية (83): {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}. انظر النهاية (3/ 350).
(¬2) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجنائز - باب في إغماض الميت والدعاء له - رقم الحديث (920) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26543).
(¬3) قال الإِمام النووي في شرح مسلم (6/ 199): معناه أنَّه من أهل مكة، وماتَ بالمَدِينة.
(¬4) قال الإِمام النووي في شرح مسلم (6/ 199): المراد بالصَّعِيد هنا عَوَالِي المدينة، وأصلُ الصَّعِيد ما كان على وَجْهِ الأرض.
(¬5) قال الإِمام النووي في شرح مسلم (6/ 199): تسعدني: أي تساعدني في البكاء والنياحة.
(¬6) كفَفْتُ عن الشيءِ: إذا توقَّفْتُ عنه. انظر لسان العرب (12/ 125).
(¬7) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجنائز - باب البكاء على الميت - رقم الحديث (922).