كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 3)

فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قتلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ (¬1) يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُلَّةِ (¬2) مِنَ الدَّبْرِ (¬3)، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ (¬4).
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَ تَطِيرُ في وُجُوهِهِمْ وَتَلْدَغُهُمْ، فَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا (¬5).
وَفِي رِوَايَةِ ابنِ إِسْحَاقَ في السِّيرَةِ: فَلَمَّا قُتِلَ عَاصِمٌ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ، لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أُحُدٍ: لَئِنْ قَدِرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ في قِحْفِهِ (¬6) الخَمْرَ، فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ، فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الدَّبْرُ، قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يُمْسِيَ فتَذْهَبَ عَنْهُ، فنَأْخُذَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ مَطَرًا، فَصَارَ سَيْلًا، فَاحَتَمَل عَاصِمًا، فَذَهَبَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ عَاصِم قَدْ أَعْطَى اللَّه عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا (¬7).
¬__________
(¬1) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 138): لعل العَظِيم المذكورَ عُقْبَة بن أبي مُعيط، فإن عاصمًا قتله صَبْرًا بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد أن انصرفوا من بدر.
(¬2) الظُّلَّة: بضم الظاء هي السَّحَابة. انظر النهاية (3/ 146).
(¬3) الدَّبْرُ: بفتح الدال وسكون الباء: هي الزنانير، وقيل: النحل. انظر النهاية (2/ 93).
(¬4) أخرج ذلك: البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع - رقم الحديث (4086).
(¬5) انظر فتح الباري (8/ 138).
(¬6) القِحْفُ: العظم الذي فوق الدِّماغ من الجمجمة. انظر لسان العرب (11/ 44).
(¬7) انظر سيرة ابن هشام (3/ 189).

الصفحة 17