كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 3)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا مَا قَالَهُ ابنُ إِسْحَاقٍ: احْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ لَمْ تَشْعُرْ بِمَا جَرَى لِهُذَيْلٍ مِنْ مَنع الدَّبْرِ لَهَا مِنْ أَخْذِ رَأْسِ عَاصِمٍ، فَأَرْسَلَتْ مَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ عَرَفُوا بِذَلِكَ، وَرَجَوْا أَنْ تَكُونَ الدَّبْرُ ترَكَتْهُ، فَيَتَمَكَّنُوا مِنْ أَخْذِهِ (¬1).
فَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ الدَّبْرَ مَنَعَتْهُ: يَحْفَظُ اللَّهُ العَبْدَ المُؤْمِنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا حَفِظَهُ في حَيَاتِهِ (¬2).
* شَأْنُ الثَّلَاثَةِ الذِينَ نَزَلُوا عَلَى العَهْدِ:
وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الذِينَ نَزَلُوا بِالعَهْدِ وَالمِيثَاقِ وَهُمْ: خُبَيْبُ بنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، وزَيْدُ بنُ الدَّثِنَّةِ، وعَبْدُ اللَّهِ بنُ طَارِقٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّ بَنِي لَحْيَانَ لَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ (¬3) فَأَوْثَقُوهُمْ (¬4)، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ طَارِقٍ -رضي اللَّه عنه-: هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ، وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي في هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً -يُرِيدُ أَصْحَابَهُ الذِينَ قُتِلُوا- وَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ (¬5) عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى، فَقتَلُوهُ (¬6).
¬__________
(¬1) انظر فتح الباري (8/ 138).
(¬2) انظر سيرة ابن هشام (3/ 190).
(¬3) القِسِيُّ: جمع قَوْسٍ وهو معروف.
(¬4) أوثَقُوهُم: أي ربَطُوهم بأوتَارِ القِسِي. انظر لسان العرب (15/ 212).
(¬5) اعتَلَجَ القوم: تَصَارَعا وتَقَاتَلا. انظر لسان العرب (9/ 349).
(¬6) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 134): وهذا يقتضي أن ذلك وَقَع منه أول ما أسَرُوهم، لكن في رواية ابن إسحاق في السيرة (3/ 190) قال: فخَرَجُوا بالنفر الثلاثة حَتَّى إذا كانوا =
الصفحة 18