كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 3)

رَجُلًا حَسَنَ الخُلُقِ لَيِّنَ العَرِيكَةَ (¬1)، سَهْلًا، هَيِّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، قَالَ: لَتَعْلَمُ يَا عَمْرُو! أَنَّ آخِرَ شَيءٍ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ قَالَ: "إِنْ قَدِمْتَ عَلَى صَاحِبِكَ فَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا"، وَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَنِي لَأُطِيعَنَّكَ، فَقَالَ عَمْرٌو -رضي اللَّه عنه-: فَإِنِّي الأَمِيرُ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ مَدَدٌ لِي، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَدُونَكَ، فَكَانَ عَمْرٌو يُصَلِّي بِالنَّاسِ.
وَسَارَ حَتَّى وَطِئَ بِلَادَ بَلِي وَدَوَّخَهَا (¬2)، حَتَّى أَتَى إِلَى أَقْصَى بِلَادِهِمْ وَبِلَادِ عُذْرَةَ وَبَنِي القَيْنِ، وَلَقِيَ فِي آخِرِ ذَلِكَ جَمْعًا لَيْسَ بِالكَثِيرِ، فَاقْتَتَلُوا ساعَةً وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ، ثُمَّ حَمَلَ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، فَهَرَبُوا وَتَفَرَّقُوا فِي البِلَادِ.
وَأَقَامَ عَمْرُو بنُ العَاصِ -رضي اللَّه عنه- أَيَّامًا، وَكَانَ يَبْعَثُ الخَيْلَ، فَيَأْتُونَ بِالشَّاءِ وَالنَّعَمِ، فَيَنْحَرُونَ وَيَأْكُلُونَ.
وَفِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ أَمَرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ -رضي اللَّه عنه- النَّاسَ أَنْ لَا يُوقِدُوا نَارًا، فَغَضِبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-، وَهَمَّ أَنْ يَنَالَ مِنْهُ، فنَهَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه-، وَقَالَ لَهُ: دَعْهُ، فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ عَلَيْنَا إِلَّا لِعِلْمِهِ بِالحَرْبِ، فَهَدَأَ عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ ابنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: فكَلَّمَ النَّاسَ أَبَا بَكْرٍ
¬__________
(¬1) العَرِيكة: الطبيعة، يقال: فلانٌ ليِّن العريكة: إذا كان سَلِسًا مُطاعًا مُنْقادًا قليلَ الخِلاف والنُّفور. انظر النهاية (3/ 200).
(¬2) يقال: داخَ يدوخُ: إذا ذَلّ. انظر النهاية (2/ 129).

الصفحة 613