كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 3)

الصِّدِّيقَ -رضي اللَّه عنه- فكلَّمَهُ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا يُوقِدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَارًا إِلَّا قَذَفْتُهُ فِيهَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَقُوا العَدُوَّ فَهَزَمُوهُمْ، فَأَرَادُوا أَنْ يَتْبَعُوهُمْ فَمَنَعَهُمْ.

* الرُّجُوعُ إِلَى المَدِينَةِ:
فَلَمَّا قَفَلُوا رَاجِعِينَ إِلَى المَدِينَةِ احْتَلَمَ عَمْرُو بنُ العَاصِ -رضي اللَّه عنه- فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ كَأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنَ البَرْدِ، فَخَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاللَّهِ لَقَدِ احْتَلَمْتُ البَارِحَةَ، فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ (¬1) وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ (¬2)، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ بَعَثَ عَمْرُو بنُ العَاصِ -رضي اللَّه عنه- عَوْفَ بنَ مَالِكٍ الأَشْجَعِيَّ -رضي اللَّه عنه- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُبَشِّرُهُ بِانْتِصَارِهِ، وَأَنَّهُ عَزَّزَ نُفُوذَ المُسْلِمِينَ عَلَى تُخُومِ الشَّامِ، وَيُخْبِرُهُ بِرُجُوعِ الجَيْشِ وَسَلَامَتِهِ.
فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بنُ العَاصِ -رضي اللَّه عنه- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ،
¬__________
(¬1) المغابن: هي بواطن الأفخاذ. انظر النهاية (3/ 307).
(¬2) وفي رواية أخرى قال: "فتيمَّمْتُ"، ولم يذكر الوضوء.
قال ابن القيم في زاد المعاد (3/ 342): اختلفت الرواية عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، فَرُوِيَ عنه فيها أنه غسل مغابِنَه وتوضأ وضوءَهُ للصلاة، ثم صلى بهم، ولم يذكر التيمم، وكأن هذه الرواية أقوى من رواية التيمم.
قال عبد الحق: وقد ذكرها وذكر رواية التيمم قبلها، ثم قال: وهذا أوصل من الأول؛ لأنه عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن أبي القيس مولى عمرو، عن عمرو، والأولى التي فيها التيمم، من رواية عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، لم يذكر بينهما أبا قيس.
وقال البيهقي في السنن (1/ 226): يحتمل أن يكون قد فعل ما نُقل في الروايتين جميعًا غسل ما قدر على غسله، وتيمم للباقي.

الصفحة 614