كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 3)
وَارُوهُ (¬1)، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: "وَاللَّهِ إِنَّ الأَرْضَ لَتُطَابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ".
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهَا -أَي الأَرْضُ- تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْعِظَةً لَكُمْ لِكَيْلَا يُقْدِمَ رَجُلٌ مِنْكُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ يَقُولَ: إِنِّي مُسْلِمٌ" (¬2).
قُلْتُ: وَقَعَ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قِصَّةٌ أُخْرَى لِرَجُلٍ لفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَنْ أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ، فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَكتَبَ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَقْرَأُ مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، وَأَعَادُوا دَفْنَهُ، فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (¬3).
* * *
¬__________
(¬1) وَرّيت الشيء واريته: أخفيته. انظر لسان العرب (15/ 283).
(¬2) أخرج القصة دون ذكر لفظ الأرض لمحلّم بن جَثّامة: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (23881) - وأخرجها مع ذكر لفظ الأرض لمحلّم بن جَثّامة: ابن إسحاق في السيرة (4/ 282) - والبيهقي في دلائل النبوة (4/ 309 - 310) - وإسناده حسن.
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإسلام - رقم الحديث (3617) - ومسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - رقم الحديث (2781) - وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (3211).
الصفحة 624