كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 3)

فَأَخْبَرُوهُمُ الخَبَرَ، وَحَذَّرُوهُمْ، فتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ في كُلِّ وَجْهٍ، فَلَمَّا وَرَدَ (¬1) أَبُو سَلَمَةَ -رضي اللَّه عنه- مَاءَهُمْ وَجَدَ جَمْعَهُمْ قَدْ تَفَرَّقَ، فَعَسْكَرَ وَفرَقَ أَصْحَابَهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ قَامَتْ مَعَهُ، وَفِرْقَتَانِ أَغَارَتَا في نَاحِيَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَرَجَعَتَا إِلَيْهِ سَالِمَتَيْنِ، وَقَدْ أَصَابَتَا نَعَمًا كَثِيرَة، ثُمَّ عَادُوا إِلَى المَدِينَةِ ظَافِرِينَ غَانِمِينَ.

* وَفَاةُ أَبِي سَلَمَةَ -رضي اللَّه عنه-:
فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ -رضي اللَّه عنه- المَدِينَةَ انْتَفَضَ بِهِ جُرْحُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى مَاتَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، أَوْ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْهُ (¬2).
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صحِيحِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ (¬3) بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ"، فَضَجَّ (¬4) نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ المَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُوُلونَ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
¬__________
(¬1) وَرَدَ: حَضَرَ. انظر لسان العرب (15/ 268).
ومنه قوله تعالى في سورة القصص آية (23): {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ. . .}.
(¬2) انظر الطبَّقَات الكُبْرى (2/ 274) - دلائل النبوة للبيهقي (3/ 319) - البداية والنهاية (4/ 442) - زاد المعاد (3/ 218).
(¬3) قال الإِمام النووي في شرح مسلم (6/ 198): شَقَّ بصرُهُ: أي ارتفع.
(¬4) الضَّجِيجُ: الصِّيَاح عند المَكْرُوهِ والمشقَّة والجَزَع. انظر النهاية (3/ 69).

الصفحة 9