كتاب الموضوعات لابن الجوزي (اسم الجزء: 3)

فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلامُ وَقُلْ لَهُ: خَلَّفْتَ عُمَرَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، يَا غُلامٌ اضْرِبْهُ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ تِسْعِينَ انْقَطَعَ كَلامُهُ وَضَعُفَ.
فَوَثَبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَقَالُوا: يَا عُمَرُ انْظُرْ كَمْ بَقِيَ فَأَخِّرْهُ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ.
فَقَالَ: كَمَا لَا تُؤَخَّرُ الْمَعْصِيَةُ لَا تُؤَخَّرُ الْعُقُوبَةُ.
فَأَتَى الصرِيخُ إِلَى أُمِّهِ فَجَاءَتْ بَاكِيَةً صَارِخَةً وَقَالَتْ: يَا عُمَرُ أَحِجُّ بِكُلِّ سَوْطٍ حَجَّةً مَاشِيَةً، وَأَتَصَدَّقَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا.
قَالَ: إِنَّ الْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ لَا تَنُوبُ عَنِ الْحَدِّ، يَا غُلامُ أَتِمّ الْحَدَّ.
فَلَمَّا كَانَ آخَرُ سَوْطٍ سَقَطَ الْغُلامُ مَيِّتًا.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا بُنَيَّ مَحَّصَ اللَّهُ عَنْكَ الْخَطَايَا.
وَجَعَلَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: بِأَبِي مَنْ قَتَلَهُ الْحَقُّ، بِأَبِي مَنْ مَاتَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَدِّ، بِأَبِي مَنْ لَمْ يَرْحَمْهُ أَبُوهُ وَأَقَارِبُهُ.
! فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا.
فَلَمْ يَرَ يَوْمٌ أَعْظَمَ مِنْهُ.
وَضَجَّ النَّاسُ بِالبْكَاءِ وَالنَّحِيبِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَقْبَلَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ صَبِيحَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: إِنِّي أَخَذْتُ وِردِي مِنَ اللَّيْلِ فَرَأَيْتُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ وَإِذَا الْفَتَى مَعَهُ حُلَّتَانِ خَضْرَاوَانِ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْرِئْ عُمَرَ مِنِّي السَّلامُ وَقَل لَهُ: هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَتُقِيمَ الْحُدُودَ.
وَقَالَ الْغُلامُ: أَقْرِئْ أَبِي مِنِّي السَّلامَ وَقُلْ لَهُ: طَهَّرَكَ اللَّهُ كَمَا طَهَّرْتَنِي، وَالسَّلامُ ".
حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ طَاهِرٍ أَنْبَأَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ إِمْلاءً حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخَوْلانِيُّ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ - هَكَذَا قَالَ - وَهُوَ عِنْدِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ابْنَانِ يُقَال لأَحَدهمَا عبد الله وَالْآخر عبيد الله، وَكَانَ يكنى أَبَا شحمة، وَكَانَ أَبُو شحمة أشبه النَّاس برَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلَاوَة لِلْقُرْآنِ، وَأَنه مرض مَرضا، فَجعل أُمَّهَات الْمُؤْمِنيِنَ يعدنه، فَبينا هن فِي عيادته قُلْنَ لعمر: لَو نذرت عَلَى ولدك كَمَا نذر على

الصفحة 273