كتاب الترغيب والترهيب للمنذري (اسم الجزء: 3)

أهل الشَّام مِمَّن قدم بِطَعَام يَبِيعهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُول من يدل على كَعْب بن مَالك قَالَ فَطَفِقَ النَّاس يشيرون لَهُ إِلَيّ حَتَّى جَاءَنِي فَدفع إِلَيّ كتابا من ملك غَسَّان وَكنت كَاتبا فَقَرَأته فَإِذا فِيهِ أما بعد فَإِنَّهُ قد بلغنَا أَن صَاحبك قد جفاك وَلم يجعلك الله بدار هوان وَلَا مضيعة فَألْحق بِنَا نواسك
قَالَ فَقلت حِين قرأتها وَهَذِه أَيْضا من الْبلَاء فَتَيَمَّمت بهَا التَّنور فسجرتها حَتَّى إِذا مَضَت أَرْبَعُونَ من الْخمسين واستلبث الْوَحْي وَإِذا رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتيني فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تَعْتَزِل امْرَأَتك
قَالَ فَقلت أطلقها أم مَاذَا أفعل قَالَ لَا
بل اعتزلها فَلَا تَقربهَا وَأرْسل إِلَى صَاحِبي بِمثل ذَلِك قَالَ فَقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عِنْدهم حَتَّى يقْضِي الله فِي هَذَا الْأَمر
قَالَ فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن هِلَال بن أُميَّة شيخ ضائع لَيْسَ لَهُ خَادِم فَهَل تكره أَن أخدمه قَالَ لَا وَلَكِن لَا يقربنك
قَالَت إِنَّه وَالله مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْء وَوَاللَّه مَا زَالَ يبكي مُنْذُ كَانَ من أمره مَا كَانَ إِلَى يَوْمه هَذَا
قَالَ فَقَالَ لي بعض أَهلِي لَو اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد أذن لامْرَأَة هِلَال بن أُميَّة أَن تخدمه
قَالَ فَقلت وَالله لَا أَسْتَأْذن فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يدريني مَا يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استأذنته فِيهَا وَأَنا رجل شَاب قَالَ فَلَبثت بذلك عشر لَيَال فكمل لنا خَمْسُونَ لَيْلَة من حِين نهى عَن كلامنا
قَالَ ثمَّ صليت صَلَاة الصُّبْح صباح خمسين لَيْلَة على ظهر بَيت من بُيُوتنَا فَبينا أَنا جَالس على الْحَالة الَّتِي ذكر الله عز وَجل منا قد ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ سَمِعت صَوت صارخ أوفى على سلع يَقُول بِأَعْلَى صَوته يَا كَعْب بن مَالك أبشر قَالَ فَخَرَرْت سَاجِدا وَعلمت أَن قد جَاءَ فرج قَالَ وَأذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس بتوبة الله علينا حِين صلى صَلَاة الْفجْر فَذهب النَّاس يبشروننا فَذهب قبل صَاحِبي مبشرون وركض رجل إِلَيّ فرسا وسعى ساع من أسلم من قبلي وأوفى على الْجَبَل فَكَانَ الصَّوْت أسْرع من الْفرس فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته يبشرني نزعت لَهُ ثوبي فكسوتهما إِيَّاه ببشارته وَالله مَا أملك غَيرهمَا يَوْمئِذٍ واستعرت ثَوْبَيْنِ فلبستهما وَانْطَلَقت أيمم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتلقاني النَّاس فوجا فوجا يهنئوني بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ وليهنك تَوْبَة الله عَلَيْك حَتَّى دَخَلنَا الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حوله النَّاس فَقَامَ طَلْحَة بن عبيد الله يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنأَنِي وَالله مَا قَامَ إِلَيّ رجل من الْمُهَاجِرين غَيره
قَالَ فَكَانَ كَعْب لَا ينساها لطلْحَة
قَالَ كَعْب فَلَمَّا سلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ يَبْرق وَجهه من

الصفحة 362