كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 3)

[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ فِي إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ] (١) وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعِلَّةٍ أَوْ لَا لِعِلَّةَ.
لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي ; إِذْ هُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْلُو عَنْ عِلَّةٍ إِمَّا بِجِهَةِ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، أَوْ لَا بِجِهَةِ الْوُجُوبِ كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا (٢) ، وَبِتَقْدِيرِ جَوَازِ خُلُوِّهِ عَنِ الْعِلَّةِ، فَالْخُلُوُّ عَنْهَا عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ الْمَأْلُوفِ مِنْ شَرْعِ الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى اسْتِلْزَامِ الْحُكْمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِلْعِلَّةِ.
وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ فَإِمَّا بِأَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً أَوْ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ.
لَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ، وَإِلَّا كَانَ الْحُكْمُ تَعَبُّدًا، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ إِثْبَاتَ الْحُكْمِ بِجِهَةِ التَّعَقُّلِ أَغْلَبُ مِنْ إِثْبَاتِهِ بِجِهَةِ التَّعَبُّدِ، وَإِدْرَاجُ مَا نَحْنُ فِيهِ تَحْتَ الْغَالِبِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَانَ عَلَى وَفْقِ الْمَأْلُوفِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ وَأَهْلِ الْعُرْفِ، وَالْأَصْلُ تَنْزِيلُ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى وِزَانِ التَّصَرُّفَاتِ الْعُرْفِيَّةِ.
---------------
(١) التَّقْسِيمُ لُغَةً التَّجْزِئَةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا تَرْدِيدُ الْمُسْتَدِلِّ بَيْنَ مَا جَمَعَهُ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا عِلَّةَ الْحُكْمِ، وَالسَّبْرُ لُغَةً الِاخْتِبَارُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا اخْتِبَارُ كُلِّ وَصْفٍ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي انْحَصَرَ التَّعْلِيلُ فِيهَا بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الْآتِيَةِ لِيَتَمَيَّزَ مَا يَصْلُحُ مِنْهَا لِلتَّعْلِيلِ فَيُضَافُ إِلَيْهِ الْحُكْمُ وَيُلْغَى مِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ.
(٢) تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ تَعْلِيقًا.

الصفحة 264