كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 3)

الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ خَلْقَ الْكَافِرِ شَقِيًّا فِي الدُّنْيَا مُخَلَّدًا فِي الْعَذَابِ فِي الْأُخْرَى مِمَّا لَا حِكْمَةَ فِيهِ وَلَا مَقْصُودَ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتَهُ، وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَارِفِ بِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الْعَارِفِ.
الْأَوَّلُ: فِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُحَالُ، حَيْثُ أَوْجَبَ مَعْرِفَتَهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ مَعَ تَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ إِيجَابِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ وَهُوَ دَوْرٌ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَقْدَرَ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي وَتَرَكَهُمْ يَرْتَكِبُونَ الْفَوَاحِشَ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ وَقَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا حِكْمَةَ فِيهِ.
السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ الْحِكْمَةَ إِنَّمَا تُطْلَبُ فِي حَقِّ مَنْ تَمِيلُ نَفْسُهُ فِي صُنْعِهِ إِلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ وَالرَّبُّ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.
السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ الْحِكْمَةَ إِنَّمَا تُطْلَبُ فِي فِعْلِ مَنْ لَوْ خَلَا فِعْلُهُ عَنِ الْحِكْمَةِ لَحِقَهُ الذَّمُّ وَكَانَ عَابِثًا، وَالرَّبُّ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُتَصَرِّفًا فِي مُلْكِهِ بِحَسْبِ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ عَمَّا يَفْعَلُ، عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحِكْمَةِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
سَلَّمْنَا اسْتِلْزَامَ شَرْعِ الْحُكْمِ لِلْحِكْمَةِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْمُنَاسِبِ عِلَّةً، وَلَوْ كَانَ يَدُلُّ الْمُنَاسِبُ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً لَكَانَتْ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ الْمُنَاسَبَةِ عِلَلًا، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ تَكُونَ جُزْءَ عِلَّةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ جُزْءِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وُجُودُ الْحُكْمِ.
سَلَّمْنَا غَلَبَةَ الظَّنِّ بِكَوْنِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْمُنَاسِبِ عِلَّةً، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ مُطْلَقًا لِمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْقِيَاسِ حُجَّةً، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الدَّلَائِلِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْقِيَاسِ حُجَّةً.
وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَنْعِ مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ (١) وَعَنِ الشُّبْهَةِ الْأُولَى مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُدْرَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْحُدُوثِ وَالْوُجُودِ لَا غَيْرَ، وَالْكُفْرُ وَأَنْوَاعُ الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ رَاجِعَةٌ إِلَى مُخَالَفَةِ نَهْيِ الشَّارِعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْقُدْرَةِ فِي شَيْءٍ. (٢)
---------------
(١) يَعْنِي دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ وَأَدِلَّةَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّامِنِ ص ٢٨٥ ج٣.
(٢) هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأُمُورَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مِنَ الْكُفْرِ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ أَفْعَالٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا الْقُدْرَةُ، فَمُخَالِفُ الْأُمُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ بِإِحْدَاثِهَا وَإِيجَادِهَا، وَأَمَّا مُوَافَقَةُ النَّهْيِ بِتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَمِنْ بَابِ التُّرُوكِ، وَالتُّرُوكُ قَدْ يُدَّعَى فِيهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَفْعَالٍ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا قُدْرَةٌ وَلَا يَكُونُ فِيهَا تَكْلِيفٌ، وَقَدْ يُفَسَّرُ تَرْكُ الْمَنْهِيِّ بِالْكَفِّ عَنْهُ، وَالْكَفُّ فِعْلٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ وَالتَّكْلِيفُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مُخَالَفَةَ نَهْيِ الشَّارِعِ بِالْكُفْرِ وَنَحْوِهِ لَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْقُدْرَةُ لَمْ يَكُنِ الْعَبْدُ مُكَلَّفًا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ.

الصفحة 290