كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 3)

وَقَوْلُنَا: (شَائِعٌ فِي جِنْسِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَمَا مَدْلُولُهُ مُعَيَّنٌ أَوْ مُسْتَغْرَقٌ.
وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارَيْنِ.
الْأَوَّلُ: مَا كَانَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ مُعَيَّنٍ، كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَهَذَا الرَّجُلُ وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي: مَا كَانَ مِنَ الْأَلْفَاظِ دَالًّا عَلَى وَصْفِ مَدْلُولِهِ الْمُطْلَقِ بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ كَقَوْلِكَ: " دِينَارٌ مِصْرِيٌّ، وَدِرْهَمٌ مَكِّيٌّ ".
وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمُقَيَّدِ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فِي جِنْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينَارٌ مِصْرِيٌّ وَدِرْهَمٌ مَكِّيٌّ، غَيْرَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُطْلَقِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، فَهُوَ مُطْلَقٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمُقَيَّدٌ مِنْ وَجْهٍ.
وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُخَصَّصَاتِ الْعُمُومِ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالْمُزَيَّفِ، وَالْمُخْتَارِ ; فَهُوَ بِعَيْنِهِ جَارٍ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ، فَعَلَيْكَ بِاعْتِبَارِهِ وَنَقْلِهِ إِلَى هَاهُنَا.
وَنُزِيدُ مَسْأَلَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، فَلَا يَخْلُو.
إِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُهُمَا، أَوْ لَا يَخْتَلِفَ: فَإِنِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا. فَلَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ حَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَا مَأْمُورَيْنِ أَوْ مَنْهِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَأْمُورًا وَالْآخَرُ مَنْهِيًّا، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَ؛ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إِذَا قَالَ مَثَلًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ " أَعْتِقُوا رَقَبَةً " ثُمَّ قَالَ " لَا تُعْتِقُوا رَقَبَةً كَافِرَةً " فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْمُقَيَّدَ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ الْمُطْلَقَةِ بِالرَّقَبَةِ الْمُسْلِمَةِ.
وَعَلَيْكَ بِاعْتِبَارِ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، فَإِنَّهَا سَهْلَةٌ.
وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُمَا، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ سَبَبُهُمَا، أَوْ لَا يَتَّحِدَ: فَإِنِ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَى إِثْبَاتِهِمَا أَوْ نَفْيِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الظِّهَارِ: " أَعْتِقُوا رَقَبَةً "، ثُمَّ قَالَ: " أَعْتِقُوا رَقَبَةً مُسْلِمَةً " فَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِالْمُقَيَّدِ فَقَدْ وَفَّى بِالْعَمَلِ بِدَلَالَةِ الْمُطْلَقِ، وَمَنْ عَمِلَ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يَفِ بِالْعَمَلِ بِدَلَالَةِ الْمُقَيَّدِ، فَكَانَ الْجَمْعُ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْأَوْلَى.

الصفحة 4