كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 3)

أو نسيان أو إكراه وأما ابتناء الأحكام والآثار الشرعية عليها ففي ذلك خلاف بين العلماء فاختلفوا في طلاق الناسي فعن الحسن أنه كان يراه كالعمد إلا إذا اشترط أخرجه ابن أبي شيبة عنه وعن عطاء وهو قول الجمهور أنه لا يكون طلاقا للحديث وكذا ذهب الجماهير أنه لا يقع طلاق الخاطىء وعن الحنفية يقع واختلف في طلاق المكره فعند الجماهير لا يقع ويروى عن النخعي وبه قالت الحنفية إنه يقع واستدل الجمهور بقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} وقال عطاء الشرك أعظم من الطلاق وقرر الشافعي الاستدلال بأن الله تعالى لما وضع الكفر عمن تلفظ به حال الإ كراه وأسقط عنه أحكام الكفر كذلك سقط عن المكره ما دون الكفر لأن الأعظم إذا سقط سقط ما هو دونه بطريق الأولى
10- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال إذا حرم الرجل امرأته ليس بشيء وقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة رواه البخاري ولمسلم عن ابن عباس إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها الحديث موقوف وفيه دليل على أن تحريم الزوجة لا يكون طلاقا وإن كان يلزم فيه كفارة يمين كما دلت له رواية مسلم فمراده ليس بشيء ليس بطلاق لا أنه لا حكم له أصلا وقد أخرج عنه البخاري هذا الحديث بلفظ إذا حرم الرجل امرأته فإنما هي يمين يكفرها فدل على أنه المراد بقوله ليس بشيء أنه ليس بطلاق ويحتمل أنه أراد لا يلزم فيه شيء وتكون رواية أنه يمين رواية أخرى فيكون له قولان في المسألة والمسألة اختلف فيها السلف من الصحابة والتابعين والخلف من الأئمة المجتهدين حتى بلغت الأقوال إلى ثلاثة عشر قولا أصولا وتفرعت إلى عشرين مذهبا الأول أنه لغو لا حكم له في شيء من الأشياء وهو قول جماعة من السلف وقول الظاهرية والحجة على ذلك أن التحريم والتحليل إلى الله تعالى كما قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} - وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} قالوا ولأنه لا فرق بين تحليل الحرام وتحريم الحلال فلما كان الأول باطلا فليكن الثاني باطلا عند قوله هي حرام إن أراد به الإنشاء فإنشاء التحريم ليس إليه وإن أراد به الإخبار فهو كذب قالوا ونظرنا إلى ما سوى هذا القول يعني من الأقوال التي هي في المسألة فوجدناها أقوالا مضطربة لا برهان عليها من الله فيتعين القول بهذا وهذا القول يدل عليه حديث ابن عباس وتلاوته لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فإنه دال على أنه لا يحرم بالتحريم ما حرمه على نفسه فإن الله تعالى أنكر على رسوله تحريم ما أحل الله له وظاهره أنه لا تلزم الكفارة وأما قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فإنها كفارة حلفه صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الطبري بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي

الصفحة 177